في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن حوار الحضارات والأديان، أصبح من اللازم علينا نحن المسلمين الانخراط الفعلي في ذلك، لكون ديننا الحنيف يدعونا إلى الحوار هذا من جهة، ومن جهة أخرى للتعريف بهذا الذين وبتعاليمه للآخر المختلف عنا عقدياً، خصوصاً أن العديد من الغربيين أبدوا إعجابهم بهذا الدين وعظمة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن هؤلاء المستشرقين الذين سجلوا إعجابهم بديننا العظيم الباحث والمؤرخ الإنجليزي سير توماس أرنولد، خاصة في كتابه “الدّعوة إلى الإسلام”، الذي سنقف على أمثلة منه في هذا المقال.
يقول توماس عن الترحيب الذي لقيه خير البشرية عليه الصلاة والسلام بالمدينة: “نرى من أسباب الترحيب الحار الذي لقيه محمد (صلى الله عليه وسلم) في المدينة أن الدخول في الإسلام، قد بدا للطبقة المستنيرة من أهالي المدينة علاجًا لهذه الفوضى التي كان المجتمع يقاسيها، وذلك لما وجدوه في الإسلام من تنظيم محكم للحياة، وإخضاع أهواء الناس الجامحة لقوانين منظمة قد شرعتها سلطة تسمو على الأهواء الفردية”[1]. مضيفاً بالقول: “لا يغرب عن البال كيف ظهر جليًا أن الإسلام حركة حديثة العهد في بلاد العرب الوثنية، وكيف كانت تتعارض المثل العليا في هذين المجتمعين تعارضًا تامًا، ذلك أن دخول الإسلام في المجتمع العربي لم يدل على مجرد القضاء على قليل من عادات بربرية وحشية فحسب، وإنما كان انقلابًا كاملاً لمثل الحياة التي كانت من قبل”[2]، هذه رسالة الإسلام، رسالة حلت محل العنف والوحشية.
العرب المتسامحون
وعن دور العرب يقول توماس: “أدخل العرب الظافرون الإسلام في إسبانيا سنة 711م، وفي سنة 1502م أصدر فردناند وإيزابيلا مرسومًا يقضي بإلغاء شعائر الدين الإسلامي في جميع أنحاء البلاد، ولقد كتبت إسبانيا الإسلامية في القرون التي تقع بين هذين التاريخين، صفحة من أنقى الصفحات وأسطعها في تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، امتد تأثيرها من ولاية بروفانس Provance إلى الممالك الأوروبية الأخرى، وأتت بنهضة جديدة في الشعر والثقافة، ومنها تلقى طلاب العلم المسيحيون من الفلسفة اليونانية والعلوم ما أثار في نفوسهم النشاط العقلي حتى جاء عصر النهضة الحديثة..”[3].
وبخصوص تسامح العرب واثرهم في المسيحيين، يضيف توماس: “أما عن حمل الناس على الدخول في الإسلام، أو اضطهادهم بأي وسيلة من وسائل الاضطهاد، في الأيام الأولى التي أعقبت الفتح العربي، فإننا لا نسمع عن ذلك شيئاً، إن سياسة التسامح الديني التي صارت عليها الحكومة الإسلامية نحو رعاياها المسيحيين في إسبانيا، وحرية حركة الاختلاط بين المتدينين؛ قد أدت إلى كثير من التجانس والتماثل بين الجماعتين”[4]، وهذه النقطة والشهادة خير رسالة يمكن أن توجه للأقلام التي تروج فكرة انتشار الإسلام بالقوة.
العربية.. لغة قوانين الكنيسة
ويقول عن العربية: “في الحق أن اللغة اللاتينية بلغت في بعض أجزاء إسبانيا درجة كبيرة من الانحطاط، حتى أصبح من الضروري أن تترجم قوانين الكنيسة الإسبانية القديمة والإنجيل إلى اللغة العربية ليسهل استعمالها على المسيحيين، وهناك من كان متعصباً، لكن لم يمنعه ذلك من قول الحقيقة”، يقول توماس: “ومن ذلك الاتصال الوثيق بالمسلمين، ودراسة آدابهم دراسة عميقة، حيث نجد حتى من بين المسيحيين مثل ألفار Alvar الذي عرف بتعصبه على الإسلام، يقرر أن القرآن قد صيغ في مثل هذا الأسلوب البليغ الجميل، حتى إن المسيحيين لم يسعهم إلا قراءته والإعجاب به”[5]، هذا هو فضل العربية، وهذه هي قيمة القرآن باعتراف غير المسلم، فهل يستثمر المسلمون مثل هذه الشهادات؟
ننتقل إلى حديث عن الصلات الاجتماعية يقول: وفيما وصل إلينا من الأخبار التي تتعلق بالصلات الاجتماعية بين النصارى والمسلمين وعدم وجود حدود فاصلة تميز بين الفريقين.. وكان قد أصبح من الشائع المعروف لدى الأسر المسيحية أن تزوج بناتها من المسلمين، ولدى النساء المسيحيات ألا يبدين معارضة في أمثال هذه العلاقات، وتربى الأطفال من الذكور الذين نشؤوا عن هذ الزواج المختلط تربية إسلامية”[6]، وما أحوجنا اليوم إلى هذا التسامح في ظل كثرة الحديث عن الهوية وغيرها من الموضوعات التي تحتاج إلى معالجة رصينة تفادياً للوقوع في العنف.
جملة القول: إن السمة التي اتسم بها الدين الإسلامي، من خلال التسامح مع الآخر واحترام معتقداته، ومن خلال مساهمته أيضاً في بناء الروح الإنسانية بعيداً عن الطائفة، جعله مثار اهتمام العديد من الأقلام الغربية المنصفة، ولنا في توماس أرنولد خير دليل.
الهوامش
[1]- الدعوة إلى الإسلام، سير توماس آرنولد، ترجمة: د. حسن إبراهيم حسن- د. عبدالمجيد عابدين – إسماعيل النجداوي، الناشر مكتبة النهضة المصرية، ط1971، ص 43.
[2] نفسه، ص 61.
[3] الدعوة إلى الإسلام، سير توماس آرنولد، ص 154.
[4] – نفسه، ص 157، 169.
[5] الدعوة إلى الإسلام، سير توماس آرنولد، ص:161، 162.
[6] نفسه، ص 209.
(*) باحث في مقارنة الأديان، جامعة سيدي محمد بن عبدالله، كلية الآداب سايس فاس المغرب، وعضو مختبر الدراسات الدينية والعلوم المعرفية والاجتماعية بنفس الكلية.