فقرة لافتة في التعليق على نجاح أردوغان وحزبه في انتخابات 24/ 6/ 2018، جاءت في تعليق جريدة “القدس العربي” اليسارية التي تصدر في لندن قالت فيها: الانتخابات التركية كانت حدثاً عالمياً بامتياز، فالغرب اصطف بإعلامه وسياسييه وعملائه ضد أردوغان، بينما اصطف الشارع العربي والإسلامي والإنساني والديمقراطي مع أردوغان، وبينما عمت فرحة الفوز شوارع المدن العربية والإسلامية وأحرار العالم ملأت الهيستريا والهلوسة وسائل إعلام الغرب وعملائه.
كانت هذه شهادة من غير إسلاميين لصالح مقيم الشعائر ومؤذن الأذان الموحد عبر مدينة إسطنبول العريقة، وحافظ القرآن الكريم والحديث الشريف، والشعر الإسلامي الذي نظمه شاعر تركيا العثمانية الأشهر محمد عاكف، أردوغان يردد ما يحفظ في مناسبات متعددة، وكان ترديده لبعض أبيات عاكف سبباً في دخوله السجن لفترة غير قصيرة (4 شهور) خرج بعدها ليؤلف العدالة والتنمية ويجلس على كرسي رئيس الوزراء، كان أردوغان يردد قول عاكف:
«مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذنا، مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا»، وهو ما كرره في كثير من خطاباته السياسية بعد ذلك وخاصة في حملته الانتخابية المنتهية أخيراً.
أي إنسان صاحب ضمير حر يسعد بانتصار أردوغان في معركته ضد أنصار التخلف والإقصاء والهمجية الغربية والظلم الدولي، فقد انحاز الرجل للحق والعدل والبناء والتعمير والحرية والديمقراطية، وهي جوهر قيم الإسلام، أو قيمه الأساسية التي انتصر بها الإسلام في فترات تحققه وازدهاره.
هناك أوجه شبه كثيرة بين أردوغان، وأرطغرل، بطل المسلسل التركي الشهير الذي يحظى بشعبية كبيرة في العالم العربي والإسلامي، فقد كان أرطغرل يتحرك من خلال قبيلته لنصرة الحق ورفع الظلم، واستخدم ذكاءه مع قدرته الدفاعية في مواجهة الخونة المحليين، والأعداء الخارجيين من قطاع الطرق وفرسان المعبد والمغول والصليبيين، وانتصر عليهم جميعاً بفضل إخلاصه لله والدين واتخاذ الأسباب وتقديم التضحيات الكثيرة، كان أرطغرل يحمل الفكرة الإسلامية ويتحرك بالتصور الإسلامي، فتغلب على المصاعب والعقبات، وهو ما يواجهه أردوغان.
تآمر عليه من ينتسبون إلى دينه من العلمانيين وطغاة العرب والأعراب (الأشد كفراً ونفاقاً) ودول العالم الصليبي الظالمة، أهانوه وأساؤوا إليه ووصفوه بأوصاف تليق بهم هم: “الديكتاتور، الحاكم الفرد، العثماني، الانتهازي، حليف جماعة الإرهاب الإخواني، قام بسجن نحو 160 ألفًا وإغلاق منافذ ومنصات إعلامية كثيرة، وآخر التهم مزوّر الانتخابات..”، ولكنه انتصر عليهم.
لم يكتف أعداء الإسلام بهذه التهم ولكنهم لجؤوا إلى العنف والدم، قاموا بانقلاب منتصف يوليو 2016م، واستهدفوه بالقتل لولا عناية الله، واتجهوا إلى الاقتصاد فضاربوا في البورصة لإسقاط الليرة، واستطاعوا أن ينالوا بعض أغراضهم فقد فقدت الليرة في أقل من ستة شهور هذا العام أكثر من 20% من قيمتها، ولكنها أخذت تسترد بعض الخسارة فور إعلان نتيجة فوز أردوغان وحزبه، وأظنها ستتعافى إن شاء الله، ولم يتوقف مسلسل تعويق دولة تركيا المسلمة عن النمو والعيش المستقر في ظلال الحرية والديمقراطية والقانون، فرأينا على الجبهة الأوروبية والأمريكية امتعاضاً واضحاً لنجاح أردوغان، وبيانات غير نزيهة تصدر من هنا وهناك، وتلكؤاً في تهنئة الرجل وفقاً للأعراف الدبلوماسية، وتبع هذه الجبهة جبهة الأعراب التي كشفت عن حقدها وجهلها وتفاهة تفكيرها.
أعرابي يكتب تغريدة: “بأغلبية بسيطة وفِي انتخابات شبه نزيهة فاز هذا الحاكم السلطوي -يقصد أردوغان- المصاب بفيروس الغرور لـ7 سنوات قادمة، مبروك لتركيا 7 سنوات عجاف”، والسؤال لهذا: هل عندكم انتخابات تشبهها، وتتحقق فيها الأغلبية البسيطة أو غيرها؟
وآخر غرد قائلاً: “فوز أردوغان في الانتخابات بمناسبة انهيار الليرة التركية”! وأردف في تغريدة ثانية: “في وطن يحكمه أردوغان.. لا يفوز إلا أردوغان”.
ويبدو أن هذا حزين على المليارات التي أنفقتها حكومته على المعارضة التركية وضاعت هباء.
وصل الأمر ببعضهم إلى التعبير عن السفاهة والخواء بنظم قصيدة سخيفة مليئة بالشتائم والبذاءات لهجاء أردوغان والتقرب إلى حكام بلاده، والمفارقة أنه إمام وخطيب أحد المساجد الشهيرة في عاصمة بلاده، ومما جاء فيها:
يا مُظهرًا زيفَ التّخوفِ مُبطنًا.. حقدًا تضيقُ بحملهِ الأضلاعُ..
خادعْ سِوانا إننا لا يَنطلي.. عن فهمِنا أسلوبُك الخدَّاعُ..
القدسُ ضاعتْ تحتَ عُهْدةِ حُكْمِكُمْ.. وبِـمُلْكِكُمْ كَمْ ضاعتِ الأصقاعُ.
وواضح أنه شاعر رديء، وجاهل بالتاريخ.
أما أم الدنيا فصحفها وقنواتها تمتلئ بما هو مقزز من الهجاءات والأكاذيب ضد الرجل الذي نقل تركيا من قاع التخلف والانحطاط والديون، إلى مصاف الدول المحترمة التي شطبت ديونها، وتبني الجامعات والمدارس ومعاهد الأبحاث والمستشفيات والمساجد والأنفاق، وتنشئ المصانع في الداخل والخارج، وتكتفي من المحاصيل والفواكه والخضراوات وتصدر إلى العالم إنتاجاً غير مسبوق في تاريخها، وتعالج مواطنيها بأفضل طرق العلاج، مع وعد أن يُصرف الدواء مجاناً لكل مريض بعد سنتين أو ثلاثة.. ورفعت الحد الأدنى للدخل من ألف دولار إلى 12 ألفاً، مع وعد بالمزيد.
انتصار أرطغرل يعد انتصاراً للإسلام ولو كره المبغضون، فهذا الانتصار حماية لأربعة ملايين لاجئ سوري من الذين شردهم سفاح دمشق، وطاردتهم طائرات الصليبي بوتين ونظرائه الغربيين، وانتصار أرطغرل إجارة للمظلومين الذين تطاردهم حكومات الفشل والخيبة والديون، وانتصار أرطغرل بداية الطريق لاستقلال الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها عن دول الظلم والإجرام والاحتلال، والتفكير في بناء دولها على أسس العدل والحرية والعمل الجاد والشورى الملزمة التي تجعل صندوق الاقتراع أداة التغيير بدلاً من صندوق الذخيرة.
لقد صار أردوغان أقوى شخصية تركية بعد مؤسس الجمهورية مصطفى كمال، مع أنه رجل بسيط نشأ نشأة متواضعة ببيع السميط، ولكن الإسلام أعزه، وجعل منه نموذجاً طيباً يتمسك بأهدابه المظلومون والضعفاء من المسلمين وغير المسلمين، ويحبه الناس من أصحاب الضمير الحي، ويكفي أن شعوب الإسلام ظلت ليلة بطولها تدعو له، وترجو الله ألا يتعرض للخذلان والهزيمة أمام جبروت الطغاة والأعراب.
الله مولانا، اللهم فرّج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم.