لم يكن رحيل النقابي والوزير السابق مصطفى الفيلالي يوم الأحد الماضي 20 يناير 2019م، بدون ردود أفعال بعد أن وافته المنية في المستشفى العسكري بتونس العاصمة بعد صراع طويل مع المرض عن عمر ناهز 97 سنة، فقد كان الراحل أحد الفاعلين في الساحة، وكان للفترة الزمانية التي ولد فيها دور في ذلك فهو من مواليد 5 يوليو سنة 1921م، حيث درس في الصادقية ثم أتمّ دراسته الجامعية في السوربون بفرنسا أين تحصل على الأستاذية في الآداب العربية.
حياته المهنية
وكان لدراسته بفرنسا دور كبير في تحميله مسؤوليات في الدولة رغم أن بداية حياته المهنية كان عمله كأستاذ للآداب والفلسفة بالمدارس الثانوية، كما نشط الراحل في الاتحاد العام التونسي للشغل، وتولى منصب أوّل وزير للفلاحة في تونس بعد “الاستقلال”، وقد عيّن في 1956م، عن دائرة القيروان، عضواً في المجلس القومي التأسيسي الذي تولى صياغة الدستور، كما تولى في السبعينيات منصب مدير الحزب الاشتراكي الدستوري، وفي سنة 2013 أقترح اسمه لتولي رئاسة الحكومة، أثناء الحوار الوطني برعاية الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والهيئة الوطنية للمحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، لكنه رفض لأسباب صحية حيث كان يعاني من المرض.
نعي واعتراف
أطنب البعض في استعراض مناقب الراحل ودوره في مرحلة ما بعد 1956م، من ذلك رئاسة الجمهورية حيث جاء في بلاغ النعي أن الفقيد تقلّد العديد من المناصب السياسية والنقابية وساهم في صياغة دستور دولة الاستقلال ورافق صياغة دستور ثورة الحرية والكرامة الذي انتصر لتونس المدنية واستكمل بنيانها بالديمقراطية، كما تحوّل رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى منزل الراحل مصطفى الفيلالي يوم الإثنين 21 يناير 2019م، أين قام بتقديم واجب العزاء لعائلة الفقيد في مصابهم الجلل.
كما قدمت العديد من الأحزاب السياسية واجب العزاء لأسرة الراحل، ومن ذلك بيان لحزب حركة النهضة في هذا الخصوص، نعت فيه الراحل، وتقدمت لأسرة الفقيد بأحر التعازي داعية المولى أن يرزقهم الصبر وحسن العزاء وخيري الدنيا والآخرة.
ندم واعتذار
كان الراحل مصطفى الفلالي، قد أعرب عن ندمه لإقدامه كأول وزير فلاحة (الزراعة) في تونس على إلغاء “الأَحباس” (الأوقاف) التي يعتبرها البعض أول إنجازات الاستقلال، وذلك بعد أن صُفيت “جمعية الوقف” قبل 30 سبتمبر 1956م، كما لو أن الإصلاح الزّراعي كما يقول البعض: لا يمرّ في تونس إلا بإلغاء الأوقاف، والإصلاح التعليمي غير ممكن إلاّ بإلغاء التعليم الزيتوني، والإصلاح القضائي لا يستقيم إلا بإلغاء القضاء الشّرعي، ويذكر كثيرون بأن كثيراً من المشاهير أكملوا تعليمهم بفضل أموال الأوقاف ومنهم بورقيبة الذي أتم دراسته بنَفقات “وقْف القُلة” بالمنستير.
وقد كانت للراحل الفلالي شجاعة الاعتذار في ندوات فكرية، وفي حوار أجرته معه صحيفة “الفجر” الأسبوعية التي تحولت إلى إلكترونية، كان عنوانه “أطلب العفو من الله لأّنني ألغيت الأوقاف”، ودمعت عيناه في حُرقة كما روى عنه سليم الحكيمي الذي أجرى الحوار آنذاك.
وعلّق الحكيمي: الدولة التي رفضت من يسارع بالخيرات هي نفسها التي أتت السّفهاء أموال الناس، فكُلّ الأوقاف وقع نهبها، وفرّقها بورقيبة (570 ألف هكتار) على أصدقائه، وكان عطاء من لا يملك إلى من لا يستحقّ، ودمّرت الفلاحة، وتحوّلت تونس من “مطمورة روما” إلى دولة تتسوّل قُوتها، وأضاف: “من لم يكن أكله من فَأسه لم يكن رايه من رأسه”.