استيقظ العالم في الثاني من أغسطس 1990م على كارثة إنسانية، عندما اجتاحت قوات النظام العراقي البائد دولة الكويت، في تنكر لكل مبادئ الأخوة والجيرة والإسلام والعروبة، وحاول أن يطمس الهوية الكويتية التي لم يعلم أنها تعصي على كل معتد، ووقف الشعب الكويتي بكامله مع شرعيته، في درس للشعوب والأنظمة بولاء الشعب الكويتي لأسرة الحكم في الكويت.
كانت المنطقة العربية في ذلك الوقت تعيش استقراراً سياسياً بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988م، وكادت أن تتجمع الدول العربية على كلمة سواء، حتى جاء الغزو العراقي الغاشم للكويت؛ فأوجد قدماً مريحة للقوات الأجنبية في المنطقة التي عاشت توترات متلاحقة، نعيش آثارها إلى هذه اللحظة.
لقد فتح الغزو العراقي للكويت باب الشر على المنطقة العربية والإسلامية بأكملها، ودبَّ الانقسام بين دولها، وخرجت علينا دول تؤيد الاحتلال العراقي للكويت في جريمته النكراء، ودول ضد الاستعانة بالقوات الأجنبية لتحرير الكويت، فكانت صدمة كبيرة، حتى أصبح الانقسام بين العرب والمسلمين أمراً واقعاً منذ أغسطس 1990م إلى اليوم، وأضحى عدم الثقة بين العرب هي السمة الغالبة، وأمسى التفرد بالرأي والاستعداد للانشقاق والخلاف صفة مرتبطة.
وأجهز الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت على القضية الفلسطينية، وبالأخص بعد تأييد منظمة «فتح» والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للرئيس العراقي البائد صدام حسين، وكان مسماراً في نعش الاتفاق العربي لطرد قوات الاحتلال الصهيوني من فلسطين المحتلة، واستبدال «السلام» المزعوم بـ«المقاومة»، وقضى على فاعلية الانتفاضة الفلسطينية، وفتح المجال لتسابق محموم لمفاوضات الاستسلام، فخرجت علينا «اتفاقية أوسلو» وما تبعها، و«وادي عربة»، واستسلام تلو استسلام.
وفتح ذلك شهية الصهيونية نحو العرب والمسلمين لانتهاز الفرصة، فجاءت مرحلة الفوضى الخلاقة، وخارطة الشرق الأوسط الجديد، حتى وصلنا إلى ما يسمى «صفقة القرن»، التي تحاول تصفية القضية الفلسطينية بشكل عام، والقدس بشكل خاص.
لقد كان الغزو العراقي للكويت مفتاحاً لكثير من المشكلات على الشعب العراقي الشقيق، فبعد حرب تحرير العراق من «صدام» عام 2003م بقرار أممي استكمالاً لعقاب الغازي، اشتعلت الحرب الطائفية، وتفكك الشعب العراقي بشكل غير مسبوق، وكاد أن يتم تقسيمه لثلاث ولايات أو دويلات، وسلم العراق تسليم يد لإيران باحتلال ناعم، وما زال التعامل على الهوية؛ طائفياً وعرقياً، وأصبح أي قرار في بغداد لا بد أن يمر عن طريق طهران.
ولم تسلم البيئة من الغزو العراقي الغاشم الذي تسبب بأكبر كارثة بيئية مرت على العالم؛ فقد دمروا وأحرقوا قرابة 900 بئر نفطية، فامتلأت الكويت براً وبحراً بالبحيرات النفطية، ووصلت غيوم الحرائق السوداء إلى ماليزيا، عابرة القارة الآسيوية، وسببت عشرات الأمراض في جميع المناطق التي مرت عليها، أقلها السعال والربو، وأعلاها أمراض السرطان.
نعم.. لقد أعادنا الاحتلال العراقي الغاشم لدولة الكويت مئات السنين إلى الوراء؛ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً، وما زالت الشعوب العربية والإسلامية تعيش آثاره، فكان حرياً بنا أن نتعظ ونتعلم الدروس والعبر من هذا الغزو البربري الذي شتت الأمة، وعلينا أن نتحد في مواجهة من يريد العبث بأمن المنطقة، وأن يكون أمننا خطاً أحمر لا نسمح لأحد أن يعبث فيه.
والله خير حافظاً، وهو أرحم الراحمين.