تستحق دول أوروبا الشكر والتقدير لاستيعابها مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، بعد أن تشردوا بسبب القصف الروسي شبه اليومي على الآمنين، وهدم البيوت، وقتل الآلاف (أكثر من نصف مليون شهيد)، وإصابة الملايين (أكثر من مليوني جريح ومعاق)، بالتنسيق مع براميل البعث السوري، والدعم الإيراني اللامحدود للنظام السوري.
ولا يخفى على أحد ما تتحمله تلك الدول من نفقات كبيرة لاستيعاب المهاجرين؛ لأنها تتعامل معهم وفق نظم عالمية، ترتقي بارتقاء البلاد، وكلما صعدنا شمالاً ارتفع مستوى الخدمات، فهي توفر لهم مساكن آمنة، بعد أن كانوا مهجرين ولاجئين في الخيام أو أماكن منكوبة، وتضمن لهم التعليم لكل المراحل الدراسية، حتى الدكتوراه، وتوفر لهم خدمات طبية راقية، وتدخلهم في دورات عديدة لتعلم لغة البلد، ودورات مهنية، والتعرف على الأنظمة هناك، ومعرفة حقوقهم كاملة، ودمجهم مع المجتمع.
وتمنحهم في البداية وثيقة لجوء تسهل عليهم أمورهم، ثم وثيقة سفر مؤقتة، ثم جواز البلد وجنسيته، بعد أن يثبت اللاجئ التزامه بالأنظمة، وحسن سلوكه، حتى إن بعضهم أصبح عضواً في البرلمان، وبعضهم محافظاً.
ويعد هذا التعامل قيمة أخلاقية عالية، تستحق عليه دول أوروبا المضيفة الشكر والثناء؛ لأنهم قاموا بما لم يقم به غيرهم لظروف مختلفة.
ولأن أهل الشام ذوو طبيعة مشرقية، فهم فئة محافظة، لديهم عادات وتقاليد عربية أصيلة، فيها من المروءة والكرامة، حتى غير المسلمين، فهم كرماء، ولا يقبلون بالدنية، ويحبون مساعدة الآخرين، وأهل نخوة.
كما أنهم فئة منتجة، وليست خاملة، عندهم استعداد للعمل والتعلم، فيهم التجار الصغار والكبار، وفيهم المهنيون، والمتعلمون تعليماً عالياً، والمثقفون، والمفكرون، والأدباء، يشتغلون في المصانع والمزارع والبناء.. وغير ذلك.
وحفاظاً على الأعداد الكبيرة من أبنائهم من الانحراف الفكري أو التطرف أو الضياع الأخلاقي، أو استغلالهم أو ابتزازهم من آخرين، أقترح على الدول الأوروبية الآتي:
1- توفير تعليم الدين الإسلامي لهم في المدارس التي يتعلمون بها، وهذا نظام تكفله عدة دول أوروبية.
2- توجيههم إلى أقرب مركز إسلامي، والانتساب إلى مدرسة السبت والأحد لتعلم الدين الإسلامي بالشكل المعتدل، تحت إشراف إدارة اللاجئين، وعلى نفقة البلدية المحلية.
3- توفير مرشدين تربويين واجتماعيين ونفسيين عرب مسلمين، لتقديم الاستشارات لأولياء الأمور بشكل أسبوعي، خصوصاً في المرحلة الأولى.. مرحلة صدمة الاندماج مع مجتمع مختلف العادات والتقاليد والأعراف.
4- اكتشاف مهاراتهم، واستثمار الطاقة الكامنة فيهم في عدة محافل، فيمكن إشراكهم في مسابقات القرآن الكبرى باسم الدولة الأوروبية الحاضنة، والمسابقات العلمية والرياضية.. وغيرها.
إن الاهتمام بالتعليم وحده لا يكفي، فلا بد من غرس القيم والأخلاق، وهذه تأتي بالتربية والتوجيه، خصوصاً لمن فقَدَ الحنان والأمان، واعلموا أن ذلك هو صمام أمان لهؤلاء المهاجرين لعشرات السنوات القادمة، حتى تستقر بهم الأمور، ويعتادوا على المجتمع الجديد، ويصبحوا مواطنين صالحين مخلصين.
قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس»، فقال له عمرو: لئن قلت ذلك؛ إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك.
شكراً لكم مرة أخرى دول أوروبا، فقد كنتم فعلاً «وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف».