اعتبر مرشح حزب حركة النهضة التونسية للانتخابات الرئاسية عبد الفتاح مورو أنّ ترشّحه يعتبر “لحظة مؤثرة جداً وتغييراً جذرياً” في مسار حياتي، حيث أنتقل من القول السياسي إلى الفعل السياسي، وأردف: “بعد طول نضال وخطاب أدخل مرحلة التنفيذ، فالممارسة هي الحياة السياسية الحقيقية، وهي الامتحان الأكبر”.
وأشار إلى أن “الممارسة والفعل السياسي مارسه في البرلمان نائباً للرئيس ورئيساً لمجلس نواب الشعب”.
وأضاف في حوار إذاعي، يوم الخميس 29 أغسطس 2019، أنّه يعتز بترشيحه من قبل حركة النهضة التي ساهم في تأسيسها وكان من الرواد، ولا يضيره أن يكون ذلك بعد مخاض طويل عاشته حركة النهضة بحثاً عن المرشح الكفء، وذلك لأنّه جاء بعد طول تفكير ونقاشات، وبعد أخذ ورد وبعد مشاورات، وبعد اختلاف في وجهات النظر، ولست مرشحاً بالإكراه، بل تم ترشيحي بالإجماع تقريباً، فالإكراه لا ينتج إجماعاً ولا تجميعاً، وهو إقرار أقرب إلى نتيجة البحث، أما موقف الآحاد فهو يحترم ولكنه لا يقلب الموازين.
المراحل الثلاث
وقال مورو في الحوار المذكور: إن تونس مرت بثلاث مراحل، هي مرحلة تأسيس الجمهورية، ووضع مؤسساتها، والمرحلة الثانية بعد الثورة هي صون الحريات واحترامها، وضمان الحقوق الأساسية للمواطن، والمرحلة الثالثة التي لم ندخلها بعد، هي مرحلة التنمية وحل مشكلات الناس على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وأن المترشح سواء لرئيس الجمهورية أو للبرلمان، يجب أن يكون لديه من الثقافة والمعرفة والإدراك ما يمكنه من التعاطي مع البرامج التي يمكن أن يقترحها أو تقترح عليه، وما يسهّل عليه التعاطي مع الشأن العام، ولا سيما الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية.
وكشف مرشح حركة النهضة عن أنه ليس شيخاً زيتونياً فحسب، بل قاضياً ومحامياً ويحمل شهادة في الاقتصاد، وألقى ألف محاضرة موضوعة على “يوتيوب” في القارات الخمس، وفي أعرق الجامعات.
الضرورات والمحظورات
وأشار إلى ضرورة وجود حزب لديه الأغلبية البرلمانية، حتى يمكن أن تمرر القوانين والقرارات المهمة في الدولة، وضرب مثلاً على ذلك بالمحكمة الدستورية التي مرت عدة سنوات على الثورة (8 سنوات) ولم تتم إقامتها بعد، وتساءل: من المسؤول عن عدم إقامتها؟ وأجاب: الجميع يقول البرلمان، فلو كان لدينا حزب يملك الأغلبية لما تأخر إرساء المحكمة الدستورية، فتعميم المسؤولية لا مسؤولية، فلو كان لدينا حزب أغلبي وحكومة للأغلبية لما وقعنا في البعثرة التي مررنا بها؛ وبالتالي من المهم أن يكون هناك انسجام بين الرئيس والحكومة والبرلمان متضامنين لا متشاكسين، ولكن في إطار الدستور والقانون، والآليات الديمقراطية والحريات الأربع.
وهذا الشكل من التضامن لم يتوافر في الفترة الماضية، وأشار مورو إلى أن قانون الانتخابات هو الذي حالَ دون وجود حزب أغلبية في تونس، وأن حركة النهضة كان بإمكانها تغيير القانون عندما كان لديها الأغلبية، ولكنها لم تفعل ذلك حتى لا تتهم بالتغوّل، ثم سأل محاوره: أليست الديمقراطيات تحكم بالأغلبية ومن يحصل على الأغلبية البرلمانية الذي يقوم بالتشريعات هو من يقود السلطة التنفيذية؟ لماذا لا يسمونه تغولاً؟ فالسلطات ضبطها الدستور.
الدستور حسم حدود السلطة
وأوضح مورو أن صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة، بنصوص الدستور، وهي رسم السياسات الكبرى المتعلقة بالأمن والمتعلقة بالسياسة الخارجية، ولا يتدخل في جزئيات الحياة العامة التي هي من اختصاص الحكومة، كما أن الدستور أعطى للمعارضة مواقع مهمة، تدافع من خلالها على موقفها، أعطى للمجتمع سلطة رابعة تراقب عمل الحكومة ومواقع السلطة، أعطى للمجتمع قضاء مستقلاً يلجأ إليه المواطن ويربح قضية ضد رئيس الدولة، كما حصل في عهد الراحل الباجي قايد السبسي، وأقر الدستور بدور المجتمع المدني الفاعل في تونس، فمن هذا الذي يمكنه اليوم أن يتغوّل ويفتك السلطة أو يستولي عليها؟ فالجميع تحت نظر الجميع في تونس اليوم.
وقال: إنّ رئيس الجمهورية عندما يدخل قصر قرطاج يترك الحزب والعائلة، الحزب والعائلة يبقون خارج القصر، ومن لا يفهم هذا لا يستطيع أن يكون رئيس جمهورية مسؤولاً، المسؤولية في قرطاج مسؤولية فردية لشخص يؤاخذ على فعله، أما المسؤولية الحزبية فهي في الوزارة والحكومة.
تاريخ الإرهاب
وفي رده حول ما يقال عن تساهل النهضة مع الإرهاب، أوضح مورو أن تاريخ الإرهاب يعود إلى عام 2006، الحديث عن الإرهاب وما حصل في الأيام الأولى من الثورة يجب أن يوضع في إطاره، إذ إن الكل يعلم أن الإرهاب بدأ في عام 2006، ولم يبدأ بعد وصول “الترويكة” إلى الحكم، عندما كانت النهضة تمثل العمود الفقري لحكومتها، وقد كنت من المحامين الذين عايشوا تلك الفترة والمحاكمات التي تمت في عامي 2006 و2008، وكانت هناك مجموعات كبيرة وصل بعضها إلى 180 فرداً ممن تمت محاكمتهم في تلك الفترة، وبعضهم تحصنوا في منطقة سليمان (الشمال الغربي لتونس)، وهؤلاء لم يكونوا من أبناء النهضة، ولم تأت بهم النهضة، بل نبتوا من حصاد النظام السابق، وكانوا سابقين لعودة النهضة وبناء مزقها من جديد بعد محنة استمرت أكثر من 4 عقود، منهم عقدان من أحلك ما مر على حركات النضال السياسي عبر العالم.
كما بيّن مورو أن النهضة لم تطلق سراح المتهمين بالإرهاب، بل حكومة محمد الغنوشي (رئيس حكومة في عهد بن علي) من أطلق سراحهم والظرف فرض ذلك، عام 2011؛ أي قبل استلام النهضة السلطة مع شركائها في عام 2012، ومن تولوا الحكم قبل النهضة هم من قام بحل الاستعلامات والاستخبارات، وليست النهضة، بل عملوا على ذلك، وبقيت البلاد بدون معلومات، وهو ما زاد الطين بلّة.
وواصل: كان مسرح الأحداث كالتالي: مجموعات إرهابية تم إطلاق سراحها دون تمحيص، وحل الاستخبارات، وكانت النتيجة ما عشناه ولامسناه ونتذكره جميعاً، لكن المفارقة أن تتهم النهضة بكل ذلك، علماً أن النهضة هي من صنفت المجموعات المسلحة كمنظمة إرهابية في عهد وزير الداخلية علي العريض، الذي لم تكن له آليات ووسائل الاستشعار المبكر عن طريق أجهزة تم حلها، واستطرد قائلاً: عندما تحمّل أحداً المسؤولية، انظر للآليات التي توافرت له من معلومات ووسائل وميدان بشكل موضوعي.
النهضة لم تحكم وحدها
وبخصوص النتائج التي تحققت أو ترتبت على حكم حركة النهضة خلال عامي 2012 و2013، أفاد مورو بأن حركة النهضة لم تحكم وحدها، وكان لها ثلث البرلمان، ولم تستلم الوزارات في الحال، بل أخذ ذلك وقتاً طويلاً، كما أن وزراء النهضة وغيرهم من الوزراء كانوا رهائن لدى الإدارة، وكانوا ينفذون إرادتها بحكم أنها أكثر اطلاعاً على الميدان بل هم أربابه، ولم يكونوا ينفذون برامج حزبية جاؤوا بها.
وقال: الدليل على ذلك أن أي وزير يذهب إلى البرلمان ليقدم ميزانية وزارته يكون أول من يعارضه نواب البرلمان من حزبه؛ لأن الميزانية لم يعدها حزبه ولا الوزير نفسه، وإنما الإدارة التي تعمل ظاهرياً تحت إمرته، واستشهد بفترة المخلوع بن علي، حيث كان لديه مستشارون يعدون السياسات طويلة المدى، ولديه وزراء ينفذون تلك السياسات، أما بعد الثورة فلم يستقر وزير في منصبه أكثر من 8 أشهر؛ مما حرم الجميع من معرفة خيوط تلك الوزارات وأركانها.
من البرلمان إلى القصر الرئاسي
وحول تأثيرات العائلة والحزب الذي ينتمي إليه في حال وصوله إلى منصب رئيس البلاد، رد قائلاً: تذهب معي العائلة والحزب، وأدخل الباب وحدي، ورئيس الجمهورية الذي لا يفهم هذا المعنى لا يكون رئيساً، إذ إن العائلة خارج السلطة، والحزب يكون مثل بقية الأحزاب، فالرئيس رئيس الجميع وليس ممثلاً للحزب الذي أوصله إلى الرئاسة؛ لذلك يستقيل الرئيس من حزبه بعد فوزه في الانتخابات، أما بخصوص حالته الصحية، فقال: أنا الوحيد الذي يقضي 10 ساعات على كرسي البرلمان ولم أتخلف يوماً عن مهامي.