في صلاة الفجر في أحد أيام رمضان في طيبة الطيبة صلى أمامي رجل مع ولده ذي الأربع سنين تقريباً، قبل أن يكبّر الوالد ومن أجل أن يضمن صلاة ولده قرصه قرصة ظل الولد ماسكاً ظهره طوال الركعة الأولى.
وأستغفر الله أن سهوت عن هذه الركعة كاملة وأنا أفكر ما هي المشاعر التي يحملها الطفل في هذه اللحظة تجاه الصلاة ووالده؟ خوف من أبيه وكراهية للصلاة؟
من تسبب بهذه المشاعر لو جاءت للطفل، ولا يستغرب أن تأتي بعد تلك القرصة؟ هل سيستمر هذا الشعور مع هذا الطفل حتى يكبر؟
لا أنسى أبداً حين كنت طفلاً وكنا على سفر مع الوالد لما دخلنا مسجداً لنصلي فكنت في الصف الأول، فجاءني رجل وأرجعني إلى الصف الثاني ولما يكتمل الأول، تنبه الإمام لهذا الأمر وأمر أن أرجع إلى الصف الأول، لا أنسى تلك المشاعر المملوءة بالانتصار على ذلك الرجل الكبير الذي أرجعني وشعرت بضيق في داخلي عندها، ولكن سرعان ما تحول الضيق إلى سعادة بأمر الإمام جزاه عني خيراً.
الحلول السريعة
إن كثيراً من الناس يرتاحون إلى تلك الحلول السريعة ذات النتائج القريبة ولا ينظر إلى آثار هذه الحلول مستقبلاً، وهذا مطرد في كل مجالات الحياة.
المريض يريد ذلك المسكن ذا المضاعفات المستقبلية لا بأس المهم أن أرتاح الآن، ومن أراد جسماً رياضياً عدل عن الحمية والرياضة بالحبوب التي يروجها التجار.. والأم لكي يهدأ ولدها تلهيه بما يضره من إعطائه الهاتف بشكل مستمر دون إدراكها لخطر إدمان الهاتف في عقل الولد.. وهكذا، لا يريد أحد الصبر لقطف نتائج متميزة على المدى البعيد، إنما أرادوا الحلول السريعة، النتائج الآنية، ولعل هذا سبب ما نرى من تقاعس الكثير عن العبادة، فلا شك أن كل مسلم مؤمن باليوم الآخر وبالجنة والنار، فما الذي يؤخرهم عن الصلوات والاجتهاد في العبادة (إنهم يرونه بعيداً، ونراه قريباً).. هذا ما حصل لصاحبنا الذي أراد ذلك المسكن المؤقت لعدم حركة ولده أو الإزعاج البسيط الذي -قد- يصدر من هذا الطفل فقرصه كي يخاف من أي عمل ويظل ساكناً جانب أبيه، ثم قد يخشى أن يصير مستقبلاً نافراً من العبادة متكاسلاً عن أدائها، ولا يدري أبوه ما الحل في صلاح الولد متمتماً “تربية الأبناء مهمة صعبة”!
صدقت، هي مهمة صعبة ولم تفلح أيها الغالي بتلك المهمة حيث استبدلت بها المسكنات المؤقتة دوماً.
الرسول المربي صلى الله عليه وسلم
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل السجود في صلاة جماعية يكون هو الإمام فيها بسبب أن أحد الحسنين رضي الله عنهما ركب على ظهره فأحب أن ينتهي من لعبه وينزل.. ولما كان يخطب ينظر للحسنين فينزل من خطبته ويأخذهما قائلاً: صدق الله: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) رأيت هذين فلم أصبر.
بالله عليكم أي شعور يشعران به سيدا شباب أهل الجنة حين يكبرون ويتذكرون هذه المواقف؟ أي نشوة تسيطر عليهم؟ أي حماسة تعتريهم؟ أي إيمان يزداد في نفوسهم؟
لم يضرب محمد صلى الله عليه وسلم في حياته لا طفلاً ولا كبيراً إلا ما كان في جهاد الأعداء، وحين تحدث عن الصلاة وتعويدها للطفل قال: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر”، فالأمر والتعويد من سن السبع سنين لا كما فعل صاحبنا مع ابنه الذي هو قطعاً دون الخمس، وإن حصل واصطحب ولده معه للصلاة دون السبع فحسن وخير، ولكن حين يقرصه تلك القرصة فهذا في نظري إجرام في حق ذلك الطفل.. ولا يأتي الضرب التأديبي للطفل إلا بعد أربع سنوات من التعليم والأمر بالصلاة، فإن لم يتعود الطفل بعد أربع سنوات فهذا لا شك أنه قد احتاج إلى القسوة؛ إذ إن الأمر ليس بالطبيعي، ولكن بعد أمر وتعويد أربع سنين.
نماذج رائعة
سمعت عن أحد الشيوخ كان يضع في جيبه حلوى، فإذا صلى في الصف الأول وبجانبه طفل قال له: أعطيك حلوى بشرط أن ترجع للصف الثاني، ما رأيك؟
وانتشر هذا العرض عن ذلك الشيخ وصار الأطفال يتعمدون أن يصلوا بجانبه لينالوا الحلوى فيرجعوا إلى الخلف ويفسحوا الصف الأول للكبار.
إن هذا الأسلوب التربوي المحبب للصلاة والمسجد يترك أثراً طيباً في نفوس الأطفال يمتد أمداً بعيداً، على الرغم من مسألة عرض الصف الثاني لمن حرص على الصف الأول ففي النفس منها شيء.
هذا ما نحتاجه اليوم في تعليم أولادنا الصلاة بالحب والترغيب، لا كما نرى من البعض من انزعاج لوجود بعض الأطفال إذا أصدروا صوتاً ثم تحول الانزعاج إلى غضب على الطفل أو إسكات بطريقة فظة، بل ويصل الأمر من البعض إلى طرد الطفل من المسجد! لا شك أن على الأب أن يحرص إن كان ولده لا يدرك شيئاً أو كان يزعج المصلين ألا يجلبه معه، أما وإن حضر فالصبر عليه أولى من بيان الانزعاج منه له بتصرفات غير مسؤولة، فالطفل ينتبه لتلك التصرفات وتعلق في الذاكرة طويلاً.
الصلاة صلة بين العبد وربه، وحين نسمع عن صلوات بعض السلف التي يطيلها أو يتلذذ بها ويتمتع ثم نرى أحدنا بالكاد يصلي الخمس بثقل وتكاسل، سندرك حينها أن ثمة عوامل أثرت في نفسياتنا، ولا أشك أن طريقة الترغيب للصلاة يوماً ما هي أحد العوامل التي تجعلنا نُحرم من التلذذ بالصلاة.
فاتقوا الله في أولادكم، علموهم بحب، وتلذذوا في تربيتهم لا سيما على الصلاة تقطفوا الثمار اليانعة مستقبلاً بإذن الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل:
ahmad.rafie@hotmail.com