تناولت الصحف الأجنبية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث نشرت صحيفة “الفايننشال تايمز” مقالاً افتتاحياً تقول فيه: إن بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي، وبدأ الآن العمل الحقيقي الذي ينتظر الحكومة في مفاوضاتها من أجل التوصل إلى اتفاق تجاري مع التكتل.
وتقول الصحيفة: إن بريطانيا استيقظت اليوم على مرحلة جديدة من تاريخها. فقد كانت علاقاتها مع العالم في 47 عاماً الماضية مرتبطة بعضويتها في الاتحاد الأوروبي.
وسيحتفي فريق من الناخبين بهذه المرحلة الجديدة باعتبارها فرصة لبريطانيا لترسم بنفسها طريق مستقبلها، بينما يأسف فريق آخر على الخروج من التكتل الأوروبي. ولكن بريطانيا خرجت من الاتحاد وانتهى النقاش بشأن هذه القضية.
وترى “الفايننشال تايمز” أن التحديات التي تواجه الحكومة هي من جهة رأب الصدع الذي أحدثه الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى وضع إطار جديد للعلاقات مع الاتحاد يحمي وحدة البلاد.
وتضيف أن الحكومة وعدت بالاستثمار في البنى التحتية وأعلنت إجراءات وتدابير تجعلها أكثر تحكما في الاقتصاد، والخروج من الاتحاد الأوروبي سيعقد مهمتها، فهي تسعى إلى إرساء الانسجام الاجتماعي في الوقت الذي تواجه تحديات دستورية كبيرة.
فمهما كانت طبيعة الخروج من الاتحاد الأوروبي فإن اقتصاد بريطانيا سيكون أصغر مما كان عليه ضمن التكتل، وبما أن الحكومة ترفض البقاء في الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة فإنها تختار اتفاق التجارة، وبذلك يكون بوريس جونسون حسب “الفايننشال تايمز” قد اختار الطريق الأصعب.
ولكن الصحيفة تقول: إن امتياز جونسون عن سلفه تيريزا ماي هو أنه يملك أغلبية مريحة في البرلمان.
وتضيف أن التقييم العقلاني لمصالح بريطانيا يحتم عليها أن تبقى أقرب ما يمكن من الاتحاد الأوروبي، فتحافظ على التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الاتحاد. وعلى الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي أيضاً الاعتراف بفوائد بقاء علاقتها قوية مع بريطانيا، وأن ينعكس ذلك على المفاوضات مع بروكسل.
فقد كانت الأعوام الثلاثة الماضية من أكثر الفترات اضطراباً في تاريخ البلاد، إذ هز الخروج من الاتحاد الأوروبي أركان الديمقراطية البريطانية وهدد وحدة البلاد، وأثار غضبا في مناطق واسعة شعرت بأنها كانت مهمشة لفترة طويلة.
وقد انتهت قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي اليوم ليبدأ العمل الحقيقي.
الوداع للاتحاد الأوروبي
ونشرت صحيفة “التايمز” على صدر صفحتها الأولى تقريراً بعنوان “الوداع للاتحاد الأوروبي”، وتشير فيه إلى احتفال أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي في ساحة البرلمان رافعين الأعلام البريطانية.
وتقول الصحيفة في تقريرها: إن صفحة قد طويت، وفتحت بريطانيا فصلاً جديداً من تاريخها، ولكنها ليست النهاية، إنما هي نهاية البداية. وأمام بريطانيا كم هائل من المفاوضات والتهديد والتنازلات لترسم مستقبل علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.
وتذكر الصحيفة أن العلم البريطاني أنزل أمام المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي دون مراسم، كما أغلقت حسابات الدبلوماسيين والنواب البريطانيين في أجهزة الاتحاد في بروكسل.
وقالت رئيسة الحكومة في إسكتلندا: إن بلادها أخرجت من الاتحاد الأوروبي ضد رغبة أغلبية شعبها.
وعبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان در ليان عن أسفها لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ولكنها قالت: “سنثبت للعالم أننا جيران متقاربون جداً جداً”.
أما الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون فقد وجه رسالة إلى “أصدقائه البريطانيين” عبر فيها عن حزنه، قائلاً: “إن خروج بريطانيا صدمة للأوروبيين”، مضيفاً أن بريطانيا لم تكن من الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي في عام 1950 ولكننا مدينون لها بالكثير.
وربما كانت المستشارة الألمانية، حسب التايمز، الأكثر تشاؤماً، إذ قالت: إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “جرح غائر” في أجسامنا، مشيرة إلى أن المفاوضات في المرحلة المقبلة لن تكون سهلة.
أما سفير الولايات المتحدة في لندن، وودي جونسون، فقال: رسالتي إلى بريطانيا بسيطة وهي أنها “لن تجد صديقاً ولا حليفاً وشريكاً أفضل من الولايات المتحدة”.
وقالت وكالة “أسوشيتدبرس” الأمريكية: إن مناصري بريكست والمعارضين تجمعوا أمام مقر البرلمان، الجمعة، حيث اختلطت ضحكات بالدموع قبل ساعات من الخروج الرسمي من الاتحاد بعد أزمة سياسية عميقة استغرقت ثلاث سنوات.
وأضافت بعد 47 عاماً من العضوية الأوروبية تخرج بريطانيا من التكتل الجمعة عند الساعة 11,00 مساء (23,00 ت ج)، حيث تجمع حفنة من أشد المؤيدين للخطوة أمام البرلمان قبل 12 ساعة من العد العكسي.
مؤيدو بريكست لوحوا بأعلام المملكة المتحدة، فيما ارتدى رجل قبعة كبيرة كتب عليها “حافظوا على عظمة أمريكا.
وبينما بقي المؤيدون بعيدين نسبياً عن المعارضين، قام رجل بوضع لوحات تمثل رئيس الوزراء بوريس جونسون عارياً وهو يمتطي حماراً أسفل تمثال ونستون تشرشل في ساحة البرلمان.
ويعكس هذا الوضع الجدل المتواصل في البلاد منذ أكثر من عامين بعد تصويت بريطانيا عام 2016 في استفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي.
لكن المزاج كان أكثر حيوية في المدن الصناعية في الشمال البريطاني الذي صوّت بغالبية كبيرة لصالح الخروج، بحسب الوكالة.
وقال آدا سويربي البالغ 82 عاماً في مدينة هارتلبول، حيث اختار الناخبون بنسبة 70 % تقريبا الخروج من الاتحاد “أعلام المملكة المتحدة ستزين لندن اليوم، أنا سعيد للغاية”.
وفي الوقت الذي استعد فيه أنصار بريكست للاحتفال باللحظة التاريخية، كان الباقون يتطلعون فيه إلى اليوم الذي تنضم فيه بريطانيا للاتحاد الأوروبي مجددا.
وقال بنسون: “أنا متأكد أن المملكة المتحدة ستعود للاتحاد الأوروبي في المستقبل، ربما خلال 10 سنوات، لقد أظهرت فرنسا وهونج كونج كيف يكون الاحتجاج، نحن كنا مهذبين أكثر مما يجب”.
خلال الفترة الانتقالية، ستواصل المملكة المتحدة الامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي، ودفع مساهمات له، كما ستبقى أغلب الأمور على حالها، فيما عدا سبعة أشياء.
من بينها الأعضاء البريطانيون في البرلمان الأوروبي سيفقدون مقاعدهم، ولن يشاركوا في قمم الاتحاد الأوروبي، وبدء محادثات تجارية رسمية، بجانب تغيير لون جواز السفر البريطاني، كما ستطرح الحكومة البريطانية ثلاثة ملايين قطعة نقدية تذكارية، من فئة الـ50 بنساً، تحمل عبارة: “السلام والرخاء والصداقة مع كل الأمم”.
ماذا بعد؟
أما صحيفة “آي”، فقد أصدرت نشرة خاصة بالحدث وعلى صدر صفحتها الأولى تساءلت ماذا بعد؟
ويقول أوليفر داف في مقال افتتاحي: إن بريطانيا استعادة السيطرة على شؤونها، ماذا بعد يا رئيس الوزراء؟
ويذكر أنه بعد 1317 يوماً وثلاثة رؤساء وزراء وانتخابات عامة مرتين خرجنا من الاتحاد الأوروبي. هل يعتبر هذا حلما تحقق أم لحظة حزن عميق.
ويضيف أن السؤال الذي لم يطرحه الاستفتاء، وما عجز مهندسو الخروج في الإجابة عنه مدة ثلاثة أعوام ونصف هو ما الذي سيحدث بعدها. هنا يبدأ العمل الشاق.
تستعيد السيطرة على شؤونك، نعم، لن يكون بمقدور السياسيين إلقاء اللوم على بروكسل من الآن فصاعدا. ولكن ماذا بعد.
ويذكر أوليفر أن جونسون طلب منا النظر إلى اليوم ليس على أنه نهاية بل بداية. ولكن كلامه، حسب الكاتب، لن تكون له مصداقية إلا بعدما يشرح لنا بالتفصيل خطته للخروج من الاتحاد الأوروبي.
فما نعرفه حتى الآن هو أنه اختار الطريق الأصعب المتمثل في اتفاق تجارة حرة، ولكن ما خطته في الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي؟ وما الدور العالمي الذي يتصوره لبريطانيا؟ فعندما يشرح لنا أهدافه يمكننا أن نحاسبه على إنجازها.
ويرى أنه عليه أن يخوض في التوافقات المطلوبة في محاولة للتوازن بين المصالح المتضاربة داخليا ومع حلفاء بريطانيا على المستوى الدولي. وما هو الذي يستعد لدفعه من أجل التوصل إلى اتفاق تجاري.