رغم تنفيذها أكثر من ألف غارة على سورية خلال السنوات الخمس الماضية؛ فإن الغارات الأخيرة على دير الزور تتميز بأنها الأغزر نيرانًا (18 غارة)، والأوسع نطاقاً (10 أهداف للواء القدس، ومليشيات فاطميون وحزب الله- العراق، والنظام السوري)، والأكثر كلفة (نحو مائة قتيل عسكري أكثر من نصفهم غير سوريين ودمار كبير في المباني)، والأهم أنها جاءت بطلب أمريكي، وبناء على معلومات استخبارية أمريكية غربية؛ سلمها وزير الخارجية مايك بومبيو لرئيس الاستخبارات “الإسرائيلي” يوسي كوهين في اجتماع في مطعم بواشنطن (“الجزيرة” – وكالة “أسوشيتد برس”) ووفقًا لصحيفة “هاآرتس”: شملت الأهداف أنظمة طائرات بدون طيار وصواريخ أرض أرض وصناعات عسكرية.
من المعلوم أن إيران تحاول التمدد عسكريًا في سورية منذ مشاركتها النظام في قمعه الثورة، وهو ما تحاول “إسرائيل” كبحه عبر غارات مستمرة منسقة مع الروس، وقد أعلنت مؤخرًا عن تكثيف الغارات لتصبح بمعدل 3 غارات كل 10 أيام بدلًا من غارة كل 3 أسابيع، لكن الأخطر على “إسرائيل” أن إيران تريد استخدام الأراضي السورية في لعبة شد الحبال مع الأمريكيين، الأمر الذي يجعل الغارات “الإسرائيلية” – والحال هذه- مطلباً أمريكياً قبل أن يكون “إسرائيليًا”.
على هذا الأساس يمكن اعتبار غارات دير الزور الأخيرة، في 11/ 1/ 2021م، منعطفًا في المسار العام للهجمات “الإسرائيلية” على سورية.
اللافت أن إيران تلتزم الصمت، فلا هي تذكر الخسائر ولا هي تتوعد بالرد، علمًا بأنها تتجرع كأس الألم مرتين؛ مرة من الجانب “الإسرائيلي”، ومرة من الجانب الروسي، الذي يأخذ علمًا مسبقًا بكل غارة تطال إيران، وفي كلا الحالتين تلزم الحسابات الإيرانية قيادتها بالصمت، لكن سياسة الإنكار لن تصمد طويلًا أمام تكثيف الغارات “الإسرائيلية” المتوقع، الأمر الذي ينذر بتحول الساحة السورية إلى مكان اشتباك أكبر.
ويشمل هذا الخطر لبنان أيضًا، بما أن قواعد الاشتباك مع “إسرائيل” غير متوافق عليها راهناً؛ “إسرائيل” تتجنب استهداف الأراضي اللبنانية، أو قتل عناصر لـ”حزب الله” في لبنان، وذلك منذ حرب يوليو 2006م، ولم يجر خرق هذا الاتفاق إلا في حالات خاصة، لكنها لا تعتبر الأراضي السورية جزءاً من الاتفاق، لذا وعلى إثر استهدافها عناصر للحزب في دمشق، توعد أمين عام حزب الله “إسرائيل”، في 24/ 8/ 2019م “إذا قتلت أياً من إخواننا في سورية، فإننا سنرد في لبنان وليس في مزارع شبعا”، ولم توافق “إسرائيل” على هذا التعديل في قواعد الاشتباك، وقتلت في 21/ 7/ 2020م أحد عناصر الحزب في سورية، لم يرد الحزب لكنه ما يزال “يحتفظ بحق الرد”.
ويكمن التخوف في سقوط عناصر إضافية للحزب في مرحلة تكثيف الغارات، انطلاقًا من أن للحزب نصيبًا في كل سلاح إيراني في سورية، ولن تكون عناصره بعيدة عن مواقع الاستهداف، وتاليًا فإن لبنان مرشح لينضم أيضًا إلى شقيقته سورية في لعبة شد الحبال، وعليه؛ يتوجب على اللبنانيين كما السوريين أن يدفعوا الثمن، وفقًا للإستراتيجية الإيرانية التي ترى أن الأراضي العراقية والسورية واللبنانية واليمنية وقطاع غزة كلها منصات لإطلاق الصواريخ وهي “الخط الأمامي في أي حرب مقبلة مع إيران”، وفقاً لما أعلنه قائد القوات الجوية الإيرانية علي حاجي زادة في 2/ 1/ 2021م.