تشهد أسعار مواد غذائية وسلع متنوعة في الجزائر ارتفاعا كبيرا منذ بداية السنة الجارية، واشتكى قطاع كبير من أصحاب الدخل المحدود من غلاء أسعار مواد ذات استهلاك واسع على غرار العجائن والبقوليات، في حين تضاربت الآراء حول الأسباب التي تقف وراء الوضع، بين الذي ربطها بانهيار قيمة الدينار وانعكاسات جائحة كورونا، ومن ربطها بزيادات غير مبررة يقف وراءها التجار والمضاربون.
تشير أرقام كشف عنها رئيس منظمة لحماية المستهلك بالجزائر إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار عدة مواد وسلع واسعة الاستهلاك والاستعمال، فحسب رئيس المنظمة الدكتور مصطفى زبدي في تصريحات صحافية، فإن الأسعار عرفت ارتفاعا مع نهاية العام المنصرم، وشملت مواد كالعجائن التي شهدت زيادة قدرها 40 بالمائة، واللحوم بـ2.7 بالمائة، ومشتقات الألبان ما بين 10 إلى 15 بالمائة، أما الأجهزة الكهرونزلية وأجهزة الإعلام الآلي فتراوحت الزيادة بها ما بين 20 إلى 40 بالمائة، في حين بلغت زيادة أسعار قطع الغيار 50 بالمائة ومواد التغليف 7 بالمائة أما الخردوات فسجلت زيادة هي الأعلى بـ300 بالمائة.
وقال الدكتور زيدي، في ندوة جريدة “الشعب”، عند قراءته لهذه الأسباب، بأنها ترجع حسبه من جهة لتراجع قيمة الدينار مقارنة بالعملة الصعبة، وأيضا إلى زيادة غير مبررة يقف وراءها التجار، وطالب السلطات المعنية بالتحرك لوضع حد لهذا الارتفاع الذي يتزامن مع أزمة اقتصادية كبيرة تسبب فيها تراجع عائدات النفط، وأيضا تأثيرات جائحة كورونا التي كانت آثارها كبيرة على المؤسسات والنشاط الاقتصادي في الجزائر، فحسب المتحدث زبدي أدى تقلص النشاط الاقتصادي إلى فقد الآلاف لمناصب عملهم، من بينهم 70 بالمائة في المؤسسات الإنتاجية، و30 بالمائة في النشاطات الأخرى.
وتحدث الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة عين تيموشنت الدكتور كمال سي محمد عن عاملين أساسيين وراء ارتفاع الأسعار، أولهما هو انخفاض قيمة الدينار ومضاربة التجار أو كما سماه جشع التجار، وقال في تصريح لـ”القدس العربي” بأن “قيمة انخفاض الدينار يقابله ارتفاع في أسعار المواد الأولية التي تدخل في الإنتاج، لكن الإشكال القائم أن الارتفاع المسجل في المواد خاصة ذات الاستهلاك الواسع لا تتناسب مع حجم تراجع قيمة الدينار، فنجد أن نسبة الزيادة في الأسعار أكبر من نسبة انخفاض الدينار”، وحسبه فإن ارتفاع أسعار العجائن بحوالي 40 دينارا “أمر غير مبرر، والتبرير الوحيد لهذا الارتفاع هو جشع التجار”.
ومن الناحية الاقتصادية يقول الدكتور كمال سي محمد بأنه بسبب تداعيات جائحة كورونا تراجع الطلب وتراجع معه التضخم الذي سجل 2 بالمائة فقط، وهي نسبة لم تسجل منذ عشر سنوات في الجزائر، وبالتالي وفق تقديره فإنه “من المفروض أن تتراجع الأسعار لا أن ترتفع”.
في حين أن السلع واسعة الاستهلاك بقي الطلب عليها نفسه، يقول المتحدث، لكن أيضا سياسة الدعم التي تتبناها الدولة بالنسبة لسلع معينة كالسكر والزيت والدقيق لم تتوقف، ما يعني يقول المتحدث إن “التجار من يقف بشكل أساسي وراء هذه الزيادات”.
وبخصوص الدور الذي يمكن أن تلعبه السلطات الوصية للتحكم في هذا الوضع، قال الدكتور كمال سي محمد إن الدولة هامش تحركها محدود، لأن هناك خمس مواد مسعرة رسميا، وخارج هذه المواد لا يمكن لها التدخل لتسقيف الأسعار.
من جهته ذهب الدكتور مصطفى زبدي إلى إجراء من شأنه أن يتحكم من خلاله في الأسعار، حيث اقترح تسقيف هامش ربح التجار.
من جانب آخر قال وزير الصيد البحري والموارد الصيدية سيد أحمد فروخي إن “التهاب أسعار السمك مشكل مطروح منذ سنوات” في الجزائر، وأكد في تصريح للإذاعة الجزائرية أن “هذا المشكل فرضته ظروف طبيعية وغياب بدائل للصيد في السواحل”. وأضاف بأن “التهاب أسعار السمك خلال هذه المرحلة من السنة تعيشها عدة دول وليس الجزائر فقط”، ويرى الوزير الجزائري أن “الحل الذي من خلاله يمكن القضاء على ارتفاع الأسعار يمر عبر إيجاد بدائل للصيد الساحلي بالذهاب نحو الصيد في أعالي البحار”.