احتفل ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، ليلة الجمعة، بدار الشباب القديمة في العاصمة الموريتانية نواكشوط، بالذكرى التاسعة لتأسيسه من أجل التأكيد على ضرورة إنهاء مسلسل إقصاء شريحة “لحراطين” (العبيد السابقون) وإعطائهم حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية كاملة.
نظم الحفل تحت عنوان “الإصلاح العقاري ضمان السلم الاجتماعي”، وتميز بحضور مجموعة من قيادات الأغلبية الحاكمة والمعارضة الموريتانية، بالإضافة إلى جماهير الميثاق ومن يدعمون فكرته من شرائح المجتمع الموريتاني الأخرى، كما شهد الحفل مجموعة من الأنشطة الشعبية التي ترتبط بتاريخ شريحة “لحراطين” وتعبّر عن واقعهم وتدعو السلطات الموريتانية إلى إنصافهم باعتبارهم مواطنين موريتانيين يكفل القانون الموريتاني حقهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي كبقية الشرائح المتعددة.
إهمال يتجدّد
ولد نافع: مقترحاتنا لحل مشكلة العبودية لم تجد آذاناً صاغية من طرف الجهات المعنية
وفي خطاب ألقاه بهذه المناسبة، قال يرب ولد نافع، الرئيس الجديد لميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين: إن الميثاق يحتفل بالذكرى التاسعة في ظروف صعبة تجعل قضية “لحراطين” لا تزال تراوح مكانها نتيجة الإهمال المتجدّد من طرف الجهات المعنية في موريتانيا، موضحاً أن الاحتفال بالذكرى التاسعة يأتي من أجل التذكير بمضامين ومحتويات وثيقة تأسيس ميثاق “لحراطين” التي تشكّل قناعة لجُلّ الموريتانيين إن لم يكن كلهم، حسب تعبيره.
وأكد الرئيس الجديد لميثاق “لحراطين” أنهم ما زالوا يطالبون بفهم هذه الوثيقة نظراً لما تتضمنه من تحليل معمّق وتشخيص للوضعية ومقترحات للحلول التي لم تجد حتى الساعة آذاناً صاغية من طرف الجهات المعنية، مذكراً بأن هذه الوثيقة ستظل تصوراً نموذجياً لموريتانيا المتصالحة مع ذاتها؛ ينعم فيها الجميع بالمواطنة والحرية والعدل والمساواة ودولة القانون.
وأوضح أن الخطابات والتصريحات والبرامج الواعدة ظهر معها بصيص أمل واعد، لكن هذا الأمل بدأ يتحطم ويتلاشى نتيجة لتزايد الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان والارتفاع الجنوني للأسعار وما شهده قطاعا التعليم والصحة من ممارسات جعلتهما يعيشان تراجعاً خطيراً، مؤكداً أن الوضع يزداد قتامة نتيجة تعاطي الحكومة الموريتانية مع بعض الأحداث، مثل قضية وادان التي تؤكد احتقاراً حقيقياً لكرامة الإنسانية، ومشكل الأراضي والملكية العقارية، سواء في مجال توزيع القطع الأرضية أو الأراضي الزراعية التي تتنافس السلطات الإدارية والزعامات التقليدية على انتزاعها قهراً وظلماً من ملاكها الأصليين والتنكيل بهم، حسب قوله.
محو الفوارق
ولد محمدن: نسعى إلى تغيير العقليات ومحو الفوارق ولا نستهدف أي مكون اجتماعي
بدوره، قال العيد ولد محمدن، النائب البرلماني والرئيس السابق لميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، في خطاب ألقاه خلال الحفل الداعي إلى الإصلاح العقاري باعتباره يشكّل ضماناً للسلم الاجتماعي: إن الدولة الموريتانية صادقت على قانون الإصلاح العقاري سنة 1983م، ولكنها منذ ذلك الحين وهي ترفض تطبيقه، رغم أن الميثاق حقق إجماعاً من غالبية الموريتانيين على ضرورة حل لهذه القضية، حسب وصفه.
وأضاف الرئيس السابق لميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين أنهم في ميثاق “لحراطين” يسعون إلى تغيير العقليات ومحو الفوارق، ويرفضون تصنيفهم في خانة معينة، ولا يستهدفون أي مكون اجتماعي، وإنما يريدون حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكداً أن مشاكل العبودية في موريتانيا وآثارها المختلفة “لن يتم حلها إلا بالتوحد”.
السيد والعبد
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق، أن ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين (العبيد السابقون) تم تأسيسه عام 2014 من طرف مجموعة المناضلين من شريحة لحراطين ومجموعة من الأشخاص الذين ينمون إلى شرائح أخرى يؤمنون بضرورة المساواة، من أجل سن قانون يكفل لشريحة “لحراطين” حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي العام الموالي (2015) تم سن قانون يجرّم العبودية، لكن يرى “لحراطين” أن هذا القانون لا يزال حبراً على ورق.
وكان ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين قد أصدر وثيقة قال فيها: إن مكونة “لحراطين” عانت على مدى قرون عديدة العبودية ومختلف تجلياتها الشنيعة من غبن وتهميش وغيرهما من مظاهر الظلم، فكان وضعها يعكس -بحق- الصورة الكاملة والواضحة لكل ضحايا الظلم في المجتمع، موضحاً أن هذه الوضعية استمرت في ظل الدولة الحديثة بفعل السياسات اللامسؤولة لمختلف الحكومات المتعاقبة منذ إعلان الاستقلال والمبنية أساساً على استدامة الوضع القائم عبر تكريس وشرعنة إقصاء هذه المكونة التي تشكل أغلبية الشعب وإبقائها ضمن العلاقة القديمة المتجددة “السيد والعبد”.
وفي الختام، لا بد من القول: إن ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين ليس أول مبادرة موريتانية يتم تأسيسها بهدف الدفاع عن الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشريحة “لحراطين”، بل قد ظهرت قبل هذه المبادرة مبادرات أخرى من أبرزها “حركة الحر” التي ظهرت في التسعينيات، وتعتبر من أوائل الحركات ناضلت ضد العبودية في موريتانيا، هذا بالإضافة إلى حركات أخرى.