أثيرت ضجة كبيرة في السودان أثر كشف موقع أكسيوس (Axios) الإخباري الأمريكي، 24 يونيو 2021م، عن لقاء “سري” جمع بين مسؤولين في الموساد “الإسرائيلي” ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) في الخرطوم.
مسؤولون سودانيون أبدوا انزعاجهم من الزيارة “السرية”، معتبرين إياها محاولة إسرائيلية لتقويض رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وحكومة عبد الله حمدوك، حيث تتصاعد خلافات بين قوات حمديتي (الدعم السريع) والجيش السوداني.
أشار الموقع الأمريكي إلى أن حميدتي كان يحاول إنشاء علاقة مستقلة مع “الإسرائيليين” من أجل تعزيز أجندته السياسية المحلية في السودان، كما أنه شخصية مثيرة للجدل للغاية اتُهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور.
https://twitter.com/axios/status/1407758407155826703
لقاء حميدتي بوفد المخابرات “الإسرائيلية” تراه مصادر سودانية جزء من الصراع المكتوم بينه وبين البرهان في سياق سعي كل طرف لحسم سيطرته علي الجيش السوداني وفرض صوت واحد يدير البلاد على غرار البشير ونميري وعبود من قبل.
وقالت المصادر إن حميدتي اضطر للتضحية بالرئيس السوداني السابق عمر البشير وانقلب بقواته عليه رغم أن البشير هو الذي أمر بتشكيل هذه القوة من قوات جنجاويد دارفور سابقاً لحماية العاصمة، بعدما تصاعدت المظاهرات الشعبية، وتحالف مع البرهان.
دب الخلاف بين الاثنين مع بدء البرهان تفكيك قوة الدعم السريع بحديثه عن ضمها للجيش بحيث لا تخضع لحميدتي قيادياً ويصبح حميدتي مجرد قائد عسكري يمكن التخلص منه لاحقاً.
أدرك حميدتي هذا فسارع للاستقواء بالموساد “الإسرائيلي” وعرض خدماته، ما اغضب البرهان ورئيس الوزراء السوداني.
لن يغفر عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني لمحمد حمدان دقلو المعروف باسمِ حميدتي، أنه كان أحد حلفاء الرئيس السابق عمر البشير، وبه استعان البشير لقمع تمرد دارفور عبر قوات الجنجاويد التي أصبحت “الدعم السريع”.
ولن يغفر حميدتي للبرهان سعيه لإنهاء وجود قوات الدعم السريع التي شاركت معه في الانقلاب علي الرئيس البشير، وسعيه لدمجها في الجيش ونزع أحد أوراق الضغط من يد حميدتي.
وساطة حمدوك
هذا الصراع المكتوم الذي اضطر معه الطرفان لنفيه خشية تأثيره على استقرار السودان وسيطرتهم على البلاد، أكده رئيس الوزراء حمدوك وطرح مقترح يوم 22 يونيو باسم “تعزيز الديمقراطية” لتلافي انقلاب عسكري جديد.
حمدوك دعا في بيان رسمي لإصلاح جذري للجيش والأجهزة الأمنية بمشاركة المدنيين مع تمثيل التنوع السوداني وتغيير مدراء جهاز المخابرات واخضاع اقتصاد الجيش لوزارة المالية وحصره بالصناعات الحربية وتوازن تمثيل المدنيين والعسكريين بمجلس الأمن القومي.
https://twitter.com/SudanPMO/status/1407320435348414469
لماذا الموساد؟
كان ملفتاً أن يبدي السودان برئاستيه “البرهان وحمدوك”، غضبه من تواصل الموساد بصورة حصرية مع “حميدتي”، من وراء ظهرهما، وتقديم شكوى بذلك لواشنطن، خشية أن يكون هناك ترتيب “إسرائيلي” لتقويض سلطتهما لصالح الأخير، في ظل بطء عملية التطبيع الجارية بين الجانبين.
وكشفت مصادر سياسية في تل أبيب أن الحكومة “الإسرائيلية” تلقت رسائل غاضبة من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة عبد الله حمدوك بسبب اتصالات يجريها قادة «الموساد» (جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجي) من وراء ظهريهما مع قائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو «حميدتي»
قالت المصادر، إن البرهان وحمدوك اعتبرا هذه الاتصالات تآمراً من «الموساد» على السلطات الشرعية في السودان، التي أبرمت اتفاق تطبيع علاقات مع “إسرائيل”، العام الماضي.
رئيس تحرير صحيفة سودان تربيون كتب يقول: أخبرتني مصادر مطلعة على الرحلة أن مسؤولي الموساد التقوا بالجنرال محمد حمدان دقلو، الملقب بحميدتي، نائب البرهان في مجلس السيادة، وأنه يحاول إنشاء علاقة مستقلة مع “الإسرائيليين” من أجل تعزيز أجندته السياسية المحلية في السودان.
وفي لقاء أخير مع القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم، بريان شوكان، قال مسؤولون مدنيون سودانيون كبار إن “إسرائيل” تتعامل فقط مع الأجهزة العسكرية والاستخباراتية وطلبوا من إدارة بايدن التدخل.
من جانبها، تدخلت الإدارة الأمريكية في واشنطن لحث الحكومة “الإسرائيلية” على التعامل مع القادة المدنيين في السودان، وليس فقط الجيش، كجزء من عملية التطبيع بين الدول، كما أخبرني المسؤولون “الإسرائيليون”.
ورغم بوادر أزمة داخلية وأحاديث عن محاولات انقلاب في السودان، فقد حاول كل من رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إظهار تماسك الجيش وقوات “الدعم السريع”، وشددا على أنهما “قوة واحدة”
فدعا البرهان، إلى “عدم الالتفات إلى الشائعات التي تستهدف وحدة المنظومة العسكرية والأمنية”، مؤكداً “انسجامها وتماسكها”، فيما دعا حميدتي إلى “القضاء على الشائعات التي تستهدف وحدة وتماسك الجيش والدعم السريع في مهدها”، لكن الحقيقة خلاف ذلك.
بعدما سعي البرهان لتقليص قوة حمديتي أصدر حميدتي قراراً منفرد يوم 21 يونيو بتشكيل قوة مشتركة بتوقيعه كقائد “الدعم السريع” بصفته السيادية، كمحاولة أخري من حميدتي لتوسيع قوة الدعم السريع لا تفكيكها كما ينوي البرهان.
القوات الجديدة، باتت تتكون من الدعم السريع والشرطة والمخابرات العامة، إضافة إلى ممثل للنائب العام وممثلين لأطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا (حركات مسلحة) ما يوسع صلاحيات وقوات حميدتي في مواجهة البرهان.
البرهان من جهته سعي أيضاً لوضع يده على ميليشيات وجيوش الحركات المسلحة التي أبرم معها اتفاقات سلام ودخلت بقواتها الخرطوم كي تكون قوة إضافية في يده على غرار ميليشيات حميدتي ما يهدد السودان بحرب أهلية.
انتهاء فترة البرهان
تصاعد الصراع بين طرفي الحكم العسكري تزامن مع قرب انتهاء ولاية المجلس السيادي الذي تشكل عقب انقلاب البشير من الجنرالات العسكريين والقوي اليسارية، فقد تقرر أن تمتد ولايته الي 39 شهرا تبدأ من أغسطس 2019 (تاريخ التوقيع على الوثيقة الدستورية).
وتنقسم رئاسة المجلس السيادي إلى فترتين، تمتد الأولى طيلة 21 شهرًا ويرأسها عضو يختاره الأعضاء العسكريون الخمسة في المجلس، في حين يرأس المدة الثانية الممتدة على 18 شهرًا، عضو مدني يختاره الأعضاء الخمسة المدنيون الذين اختارهم تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير.
معني هذا أن مدة رئاسة عبد الفتاح البرهان للمجلس تنتهي الشهر الماضي يونيو 2021م لكن لا أحد يتحدث عنها وسط الجدل والقلق الدائر حالياً.
هل سعي البرهان للانقلاب على حميدتي والمجلس الرئاسي سوياً وتنصيب نفسه حاكماً عسكرياً على غرار ما فعل كافة قادة السودان العسكريين، لهذا سارع حميدتي لإصدار قرارات فردية بتوسيع قواته والتواصل مع الموساد باعتباره قنطرة العبور للبيت الأبيض، وهذا سر خلافه وصراعه مع حميدتي؟
إلى أين يصير السودان في ظل الانهيار الاقتصادي وتصارع العسكريين واليساريين على الحكم وسعيهم لإقصاء الإسلاميين؟ هذا ما ستنبئ به الأحداث.