مثل ما هناك متحور في فيروسات “كورونا”، فإن العمل السياسي فيه متحورات كذلك، ومثل ما أن الفيروسات تُطوِّر نفسها، فإن الانقلابات تُطوِّر نفسها وتكون أكثر قدرة وفتكاً وأذكى في التغلب على المناعة الشعبية والديمقراطية.
ومثل ما حدث انقلاب في مصر على السلطة الشرعية ومحاولة انقلابية في تركيا، فإن فيروس الانقلابات المتحور وصل لتونس بصيغة جديدة؛ وهي قيام رئيس الدولة بالانقلاب على الدستور ومؤسساته، بخلاف الصيغة التقليدية أن يأتي قائد الانقلاب على ظهر دبابة ويعلن البيان الشعبي رقم واحد، وانقلاب رئيس الدولة على الدستور ومؤسساته ليس بدعة سياسية؛ ففي عام 1953م قامت بريطانيا بالتعاون مع المخابرات الأمريكية بالانقلاب على رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، وذلك بالتعاون مع شاه إيران محمد رضا بهلوي؛ بسبب تأميم النفط الإيراني.
الإجراءات غير الدستورية التي قام بها رئيس الدولة في تونس، وهي جمع السلطات الثلاث تحت إدارته؛ حيث أقال رئيس الحكومة، ووعد بانتخاب رئيس حكومة جديد بدون الرجوع للبرلمان الذي جمَّده وألغى الحصانة البرلمانية عن أعضائه، وقام بالتدخل المباشر في السلطة القضائية والنيابة العامة، وهذا انقلاب على الدستور وعلى المؤسسات البرلمانية والقضائية، وأصبح الحاكم الفرد متناسي الخيارات الشعبية وصناديق الانتخابات.
ولكن يبدو أن الانقلاب على المؤسسات الدستورية والقضائية هو رأس جبل الجليد، وما خفي تحته أعظم وأكبر، ولا يزال الغموض يلف هذا الانقلاب، وما زالت الأيام حبلى بأحداث وسيناريوهات كثيرة، ومهما كان السيناريو يجب على التونسيين أن يتعاملوا مع الثورة المضادة كما تعاملوا مع ثورتهم النظيفة بالهدوء في الطرح وبُعد النظر والحرص من المتربصين الذين دمروا الديمقراطيات وأشاعوا الفوضى.
الرهان اليوم على الشعب التونسي وأحزابه الذين أثبتوا للعالم هدوءهم وحكمتهم وتحملهم المسؤولية الشعبية في أحداث سياسية كثيرة سابقة، وعليهم تفويت الفرصة على المتربصين بالديمقراطية التونسية، بتقديم المبادرات الشعبية للإصلاح الاقتصادي والصحي والتنموي، حتى تنتفي مبررات الانقلاب، ويعود الشعب وخياراته للواجهة، فالانقلاب لم يتمكن بعد، والفرص للإصلاح موجودة، ولربما التحركات السياسية والشعبية تؤتي ثمارها، ووجود ردود فعل هادئة فوتت الفرصة على تجار وسماسرة الثورات المضادة، فداعمو الثورات المضادة يروّجون نظريتهم عبر الفوضى والصدام بين أفراد الشعب وتياراته وعسكرة الدولة، وهذا ما دعوا له عبر الهجوم على مقرات حركة النهضة بلا سبب، وعبر الحملات الإلكترونية بوسائل التواصل، وخلق عدو وهمي لتبرير تحركاتهم وهو حزب النهضة.
ومع الساعات الأولى للانقلاب، اتضح صوت الحكمة وعدم الاندفاع والتهور من قبل الشعب ومؤسساته النيابية والقضائية، وأن مجال الحوار أكبر من مجال الصدام، وهذا بحد ذاته يساعد على تجريد الانقلاب من مبرراته، والعودة للحوارات، ويسارع في تخفيف التوتر الشعبي.
ونسأل الله تعالى للشعب التونسي الهدوء وتجاوز هذه الأزمة الانقلابية.
_____________________________
نائب رئيس التحرير.