في مطلع كل عام ينوي البعض أن يتحسن ويضع البعض خططاً جميلة نحو التحول إلى الأفضل لكن يمر العام والأعوام وكل شئ على حاله ترى ما الذي يحول بين الإنسان والتقدم نحو عالم أفضل وظروف أحسن، ظروف معيشية وعاطفية ومالية ووظيفية إلخ
بداية نؤكد أن الله تعالى خلق الإنسان ليعبده سبحانه وتعالى، يعبده بإقامة شعائر دينه وشرائعه وأحكامه، ويعبده بالإحسان إلى الخلق ويعبده بعمارة الأرض لكن هناك أمور تعيقه عن التحرك نحو الغاية المنشودة ليكون أفضل وأحسن مما هو عليه كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى من هذه الأمور نجد أنس بن مالك رضي الله عنه يقول كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ” اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ” [صحيح البخاري] “كنت أسمعه كثيراً”.. تكرار هذه الأدعية معناه أن لها خصوصية وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر هذه الأدعية كثيراً فكيف تكون حاجتنا إلى تكرارها.
هذه الأمور التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم تعد قيودا على العقل والإرادة تمنع الإنسان من التفكير السوي كما تمنعه من التحرك نحو الخير الديني والدنيوي.
الهم والحزن:
الهم: توقع السوء في المستقبل وبعبارة أخرى النظرة السوداوية للغد أو النظر إلى الجزء المظلم من العالم.
الحزن: الآلام التي تصيب الإنسان من ابتلاءات قديمة تترك آثارها ولا شك ولكن النفوس القوية سرعان ما تبقيها في الذاكرة وتتخلص من آثارها الضارة.. بين الهم والحزن يهلك الإنسان وتتلف نفسه وإن كان لازال بين الأحياء لكن إذا فكرنا في مسببات الهم والحزن ربما أمكننا أن نتجاوز هذه الأوقات الصعبة لننطلق نحو تحقيق رسالتنا التي كلفنا الله تعالى بها.
أسباب الهم والحزن:
1-الشك والتسخط: شخص يحتله الشك والوساوس كيف نتوقع أن تكون حياته؟ يمسي ويصبح وهو يشك في نفسه وزوجه وزملائه وجيرانه كيف يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة مع كل هذه الشكوك؟ وآخر لا يرضيه شيء من نعم الله يقابل إحسان الله تعالى بالسخط وعدم الشكر، وإذا أصابه شيء يحزنه – مهما كان بسيطاً – ظن أن أحداً لم يبتل في العالم بمثل ما ابتلي به.
2-الفراغ مفسد للعقل والدين، إذا لم يملأ بالنافع المفيد يعيش الفارغ في الذكريات ويقتصر نظره على الآلام التي مرت به وينسى اللحظات الحلوة في حياته.
3-إدخال الهموم على الناس فالجزاء من جنس العمل هذه قاعدة ينبغي أن تكون نصب عيني المؤمن فمن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن أدخل على مؤمن كربة من كرب الدنيا أدخل الله تعالى عليه الهموم والغموم.
إن الهم والحزن يمنعان الإنسان من العمل لدينه أو لدنياه لذلك كان البحث عن علاج أحد الواجبات.
العلاج:
- اليقين في قوله تعالى {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51] ومن لطف الله تعالى بخلقه ورحمته أن يقول سبحانه كتب لنا ولم يكتب علينا.
- وإلى الذين تملؤهم الهموم وتسيطر عليهم الوساوس فيما يتعلق بالمستقبل إليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ” [سنن ابن ماجه] فقد ضمن الله تعالى الرزق والعمر وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ومن كان رزقه على الله فلا يحزن.
- وإلى الذين يشغلهم الخوف على مستقبل الأولاد {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9]، وخوفوا رجلاً على مستقبل أولاده قال الله وليهم في الدنيا والآخرة وهنا نذكر قول الله تعالى {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِين} [الأعراف: 196]
- هذه الابتلاءات التي مرت وبقيت مرارتها في النفس هل نتعلم منها الدروس كيف نقي أنفسنا من المكاره بالتحصينات الشرعية وبعدم تكرار الأخطاء وبمعرفة من يساعدنا ومن يعين علينا ننتفع بالصبر على قضاء الله ومحاولة البحث عن مخرج.
- هل يدخل ضمن أحزان الإنسان حزنه على ما يصيب المسلمين ومحاولة التخفيف عنهم لعل الله تعالى أن يخفف عنه فالجزاء كما قلنا من جنس العمل.
- هل يحزن المسلم على ما فاته من الطاعات وعلى تقصيره وارتكابه للذنوب.
تبقى الدنيا دار أحزان حتى يقول المؤمنون {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34]
وعلى كل خائف من مستقبله لنتذاكر معاً قول الحكيم:
سهرت أعين ونامت عيون في أمور تكون أو لا تكون
إن الذي كفاك في أمس ما كان سيكفيك في غد ما يكون
العجز والكسل:
ومما يعيق الإنسان عن العمل والأمل العجز والكسل.. والعجز فقدان القدرة على عمل ما والكسل توافر القدرة وغياب الإرادة.
ونحب أن نقرر أنه ما من إنسان إلا وأعطاه الله قدرات ومواهب قد يكتشفها وقد يموت دون أن يدرك ما لديه من نعم.
وليست هذه القدرات للإنسان وحده بل كل كائن مهما صغر وضعف له قدرات فهذا كورونا وما تولد منه تكافحه البشرية ويقاوم مكافحتها، والذباب ذلك الكائن الذي هو أحد رموز الضعف له قوة وقدرة قال الله عنها {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73] فالذباب ذلك الكائن الضعيف يسلب الإنسان ذلك الكائن القوي الذي عمر الأرض وسبح في البحر وغاص في الأعماق وصعد إلى الجبال إذا سلبه الذباب شيئاً عجز عن استنقاذه منه فأي عجز أكبر من ذلك؟
ومع ما منح الله تعالى الإنسان من قدرات إلا أن لها حدود فهناك عجز حقيقي لا يتمكن معه الإنسان من التحمل وقد أمرنا الله تعالى أن نستعيذ منه {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]
هناك أفراد يملكون إيماناً وإرادة قوية يستطيعون به أن يتغلبوا على العجز ويقاوموه فقد قيل عن عبدالله بن الزبير: ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلا تكلفه عبد الله بن الزبير ولقد جاء سيل فطبق البيت فطاف عبد الله سباحة كان ابن الزبير يقاوم العجز ويغلبه
وهناك من رباهم آباؤهم على العجز لخوف الأهل عليهم منعوهم من التفكير فهم يفكرون لهم، ومن اتخاذ قرار فلازالوا صغاراً على ذلك، ومن البيع والشراء فالدنيا مليئة بالكاذبين الغشاشين.. فكت هذه القيود بموت الكبار ووصول هؤلاء إلى مرحلة الشباب بل تجاوزوها لكن لازال العجز يلاحقهم ويمنعهم من اتخاذ القرار ومن تنفيذه إذا اتخذوه لأن العجز في الأساس من الداخل من القلب رحل من كان يخافون علينا لكن بقي الخوف في قلوبنا رحل من اتهمونا بالعجز لكن بقي العجز في قلوبنا ولن يزول هذا العجز إلا بالدعاء والتجربة المحدودة التي يمكن لنا أن نتحمل عواقبها وباستشارة أهل الخبرة وبالتوكل على الله.
قانون الحياة لا يسمح للعجزة بالبقاء إلا في الصفوف الخلفية أو في ذيل القافلة إن كان للقافلة ذيل، ويفوز باللذات كل مغامر، المغامرة المحسوبة التي نتدرج فيها خطوة خطوة نحو الشعور بالقوة الصبر الذي يحملنا على انتظار النتائج وعدم الجزع من الخسارة فيمكن للإنسان أن يعوض ما فاته.