عبر عدد من الخبراء عن انزعاجهم الشديد بشأن التحالف العسكري المزمع تدشينه قريباً في المنطقة بقيادة الكيان الصهيوني وعضوية عدد من الدول، عقب زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المرتقبة للمنطقة، معتبرين ذلك خطوة كارثية على المنطقة، وتنصيب عدو الأمة الرئيس قائداً لجيوشها بحجة مواجهة بعض الدول الأخرى.
وطالبوا، في تصريحات لـ”المجتمع”، بضرورة وقف مثل هذا الأمر ورفضه تماماً، مؤكدين أن وجود بعض القيادات الوطنية في الجيوش العربية ربما تؤدي دوراً مهماً في وقف تفعيل هذا التحالف، لافتين إلى تصريحات بعض قادة الدول العربية المزمع مشاركتها في هذا التحالف، بما يعني أنها لن تشارك في أحلاف تعلن الحرب على دول بعينها بالمنطقة.
ففي خلال الأيام الماضية، تم تداول بشكل كبير فكرة إنشاء تحالف عسكري برعاية أمريكية وقيادة “إسرائيلية” وعضوية عدد كبير من الدول العربية، تشمل دول الخليج ومصر والأردن، لمواجهة الأخطار الإيرانية، كما يتم التسويق باستمرار، وتم عقد اجتماع عسكري بمدينة شرم الشيخ للإعداد له.
ورغم الموافقات المبدئية وعقد عدد من الاجتماعات التمهيدية، فإن عدداً من الدول، منها مصر والإمارات والسعودية، قالت: إنها لن تكون ضمن تحالف عسكري ضد دولة معينة، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل هذا التحالف وتفعيله.
الكيان الصهيوني المستفيد الأول
من جانبه، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر) مصطفى خضري: إن هذا التحالف لا يخدم العرب بشكل أو بآخر، وأول المستفيدين منه الكيان الصهيوني الذي يرغب في تطبيع عسكري ينهي عزلة الصهاينة في جوارهم الجغرافي وينهي حالة الصراع العربي “الإسرائيلي”، وثاني المستفيدين هي الولايات المتحدة الأمريكية التي ترغب في حشد حلفائها في المنطقة لمحاولة تعطيل التمدد الصيني الذي إن استطاع النفاذ إلى الاتحاد الأوروبي والتغلغل فيه؛ فسوف تنتهي حقبة الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد للعالم، أما بالنسبة للعرب فإذا كان هناك مستفيدون فهي الإمارات التي يحلم حكامها بقيادة العرب اعتماداً على وهم الأموال التي يمتلكونها وشبكة العلاقات التي نسجوها في الدوائر الأمريكية والصهيونية، ولكن كل ما سبق لن يزيد على أحلام مراهقة لدعاة هذا التحالف.
وبخصوص المعضلات التي تواجه هذا التحالف، قال خضري، في حديثه لـ”المجتمع”: أولى هذه المعضلات أن الجيش المصري لن يقبل التحالف مع جيش الاحتلال “الإسرائيلي” حتى مع وجود علاقات حميمة بين نظام السيسي والكيان الصهيوني، فالعقيدة القطرية للجيش المصري لن تسمح بذلك، والثانية أن بفرض قبول الجيش المصري الدخول في هذا التحالف فلن يقبل قادته إلا أن يكون التحالف تحت قيادتهم، وهو ما يتعارض مع أهداف الكيان الصهيوني والأحلام الإماراتية، والثالثة أن المصالح المصرية تتعارض مع أهداف هذا التحالف، فمهما حدث بين أمريكا وإيران أو الصين تبقى مصالح مصر معهما أكبر بكثير من أي فوائد يمكن أن تجنيها من الانضمام لهذا التحالف، وبغير الجيش المصري لا يمكن لهذا التحالف أن يتم.
وحول مخاطر هذا التحالف، أكد أن مصر والجيش المصري -لا قدر الله- سيكونان أكبر الخاسرين، حيث إن قوة الجيش المصري ودعمه الشعبي مرتبط بعداوته للكيان الصهيوني، فكيف سيصبح موقف ظهيره الشعبي في حالة قبوله الانضمام مع الكيان الصهيوني في تحالف واحد؟!
لن يكتب له النجاح
أما الكاتب الصحفي خالد الشريف، فرأى أن إنشاء تحالف عسكري برعاية أمريكية وقيادة “إسرائيلية” وعضوية عدد كبير من الدول العربية تشمل دول الخليج ومصر والأردن لمواجهة الأخطار الإيرانية وهو ما يعرف بـ”الناتو” العربي أعتقد أنه لا أرضية صلبة له، فالسعودية اليوم تتقدم مفاوضاتها مع طهران وتم تهدئة الأوضاع في اليمن ووقف وتجميد الحرب الدائرة مع الحوثيين الذراع العسكرية لإيران، والجميع سلم بالوضع الراهن منعاً لاستنزاف المزيد من الأموال والأرواح.
مضيفاً: أما الإمارات فقد حسمت أمرها بالتحفظ على التعامل مع قواعد اللعبة الإيرانية الأمريكية التي لم ولن تدخل نطاق صراع صفري، ولكن كانت تحلب من هذا الخليج العربي ولا تزال بحجة حمايته من إيران، أما مصر فأعلنت صراحة أنها لن تدخل في مواجهة عسكرية مع إيران ولا مع أي دولة أخرى.
وأضاف الشريف لـ”المجتمع”: أيضاً إذا أضفنا التقارب التركي الخليجي الذي يقطع الطريق على مثل هذا التحالف ومهامه المعلنة، ولذلك أتوقع فشل التحالف المعلن والمسمى بـ”الناتو” العربي، وهو محاولة خبيثة لدمج “إسرائيل” في المنطقة العربية ومحاولة تأمين نفسها، وهي كيان هش يخشى المقاومة الفلسطينية وردود “الربيع العربي” الذي ما زال يخشاه البعض.
شر كله ولا يرجى منه خير
أما العميد السابق بالجيش المصري عادل الشريف، فيرى أن هذا التحالف شر كله ولا يرجى منه خير، وهو إعادة استنساخ لحالة سابقة مثل حلف بغداد وخلافه، وتظل أهداف هذه الأحلاف هي حماية المصالح الغربية بالمنطقة، ولكن الجديد هذه المرة هو حماية الكيان الصهيوني إلى جانب مصالح أمريكا والغرب، بل وإعلان سيطرة الكيان على مقرات المنطقة وقيادتها من خلال اختلاق أعداء وهميين مثل ما يقال عن إيران، على سبيل المثال، في محاولة لجر دول الخليج لهذا التحالف.
وأضاف الشريف، لـ”المجتمع”، أن الذهاب لهذا التحالف هو بمثابة انتحار عربي بالتأكيد؛ لأنه لا يمكن تمكين عدو لنا من قيادة الجيوش العربية تحت أي مسمى، فهو لا يزال العدو الأول لنا، وحتى لو كانت هناك تصرفات إيرانية نرفضها ليس من المنطقي أبداً أن نستبدلها كعدو لنا كبديل للكيان الصهيوني، لأن هذا الكيان رأس حربة لأمريكا والغرب، وأظن أن هناك بعض الدول التي شاركت في اجتماعات لهذا التحالف لا يمكن أن تكمل الطريق إلى آخره؛ لأنني أعتقد أن قادة جيوشها لن يقبلوا بهذا بشكل أو بآخر، ولعل بعض التصريحات التي خرجت مؤخراً من بعض قادة هذه الدول تؤكد ذلك بوضوح.
الباحث في الشأن “الإسرائيلي” د. صالح النعامي، قال، عبر حسابه في “تويتر”، اليوم السبت: إن وحسب الإعلام “الإسرائيلي” فإن هذا “الناتو” سيضم كلاً من: “إسرائيل”، الولايات المتحدة، الأردن، مصر، السعودية، الإمارات، البحرين، والسودان.
وبخلاف ما قاله ملك الأردن، فإن المطروح ليس حلفاً يلزم دوله بالدفاع عن بعضها، بل هو منتدى إقليمي يشهر العلاقة الأمنية القائمة بين “إسرائيل” والدول العربية الست وينقلها من السرية إلى العلنية.
مصالح صهيونية
ويتابع النعامي: بحيث يكون هذا المنتدى تحت إشراف القيادة المركزية في الجيش الأمريكي، ويمكن “إسرائيل” من تحقيق مصالحها عبر استغلال مقدرات الدول العربية المشاركة فيه.
ومن خلال عضويتها في هذا المنتدى، يمكن لـ”إسرائيل” استغلال أقاليم هذه الدول في الانطلاق لتنفيذ عمليات عسكرية ضد دول أو أطراف أخرى أو التجسس عليها، سيما وأن “اقناة “12” العبرية أكدت بالفعل أن “إسرائيل” زرعت منظومات رادارية في عدد من الدول العربية.
ويوضح الباحث: بوسع “إسرائيل” استغلال أجواء الدول المجاورة لفلسطين، سيما الأردن في إجراء مناورات لسلاح جوها، كما ستستغل موانئ بعض هذه الدول في مراقبة الممرات المائية لمنع وصول السلاح والعتاد للمقاومة في قطاع غزة، أو الانطلاق من هذه الموانئ لتنفيذ عمليات ضد أهداف بحرية لأطراف أخرى.
واعتبر النعامي أن “إسرائيل” التي رفضت تزويد السعودية بسلاح أمريكي متطور وعارضت تزويد الإمارات بطائرات “إف 35” ورفضت بيعها القبة الحديدية، وتجاهر الكثير من نخبها الحاكمة بأن الأردن هو الدولة الفلسطينية؛ لا يمكن أن تكون حليفاً، إنه ليس “ناتو شرق أوسطي” بل “ناتو إسرائيلي”.
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة: إنه لا حكمة في الحديث عن نتائج نهائية وتداعيات واضحة لحراك المنطقة؛ لا قبل زيارة بايدن ولا بعدها.
وقال: إن لقاءات المأزومين لا تحيلهم أصدقاء، فهنا تناقضات يصعب جسرها، وأولويات لم تتغيّر بعد، وحسابات متباينة لمنظومة المصالح والمخاوف، معتبراً أن الفوضى الدولية تنعكس على منطقتنا، وقد يطول المخاض قبل الولادة.
حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط
في غضون ذلك، ذكر المحلل “الإسرائيلي” المختص في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “هاآرتس” العبرية زفي بارئيل، في مقال رأي نشره الأسبوع الماضي، أن التقارير عن إنشاء تحالف دفاعي إقليمي، الذي سيضم “إسرائيل” وعدداً من دول الشرق الأوسط الأخرى، بعث حياة جديدة في الفكرة المألوفة لتأسيس “حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط”.
وقال: سيكون هذا نوعاً من تحالف الدول العربية، الذي سيقيم مع “إسرائيل” درعاً دفاعية ضد التهديد المشترك المتمثل في إيران.
لكنه عاد وقال: إن الإحاطات الإعلامية الأخيرة التي قدمها مساعدون ومستشارون للرئيس بايدن، توحي بأنهم قلقون من مناقشة التحالف العسكري، وبدلاً من ذلك يؤكدون نقطة الحديث المتمثلة في رفع مستوى اندماج “إسرائيل” في المنطقة كاستمرار لاتفاقات “إبراهام”.
وتأمل واشنطن أن يساعد المزيد من التعاون، وخاصة في مجال الأمن، على زيادة اندماج “إسرائيل” في المنطقة وعزل إيران، على حد تعبير وكالة “رويترز”، في تقرير نشرته الأسبوع الماضي.
كما أنها قد تمهد لمزيد من صفقات التطبيع مع “إسرائيل”، بما في ذلك مع المملكة العربية السعودية ذات الوزن الثقيل، بعد إقامة العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين في عام 2020، وفق ذات الوكالة.
ويعتبر المحلل السياسي الإيراني محمد صالح صدقيان أن ملك الأردن لم يأت بجديد عندما قال: جاري تشكيل “ناتو” خاص بالشرق الأوسط.
وأضاف عبر “تويتر”، السبت: إنما الجديد أنه أكد المعلومات السابقة التي تحدثت بهذا الموضوع دون أن يذكر الهدف من هذا “الناتو”.
وتابع: لكن الرئيس الأمريكي قال: إنه قادم للمنطقة لبحث الأمن “الإسرائيلي”، هل هو يتحدث عن “ناتو الشرق الأوسط”؟