رغم أن كلماتها في الفيديو المتداول كانت جزء من كلمة طويلة مدتها 20 دقيقة وكانت في مناسبة مر عليها عام كامل وهي الاحتفال بتخرج دفعة جديدة من طالبات طب جامعة الأزهر بمحافظة أسيوط في جنوب مصر، إلا أن الدكتورة شيرين غالب نقيب أطباء القاهرة وهي أول امرأة تفوز بهذا المنصب وأستاذة الطب الشرعي والسموم بكلية طب القصر العيني تعرضت لعاصفة من الهجوم والانتقادات اللاذعة من قبل العلمانيين ومدعي حقوق المرأة.
المقطع الذي اشتمل على نصيحة من د. شيرين غالب للطبيبات الخريجات، أثار ضجة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي التي انقسم روادها بين فريقين، حيث اعتبر كثيرون أنها “تحصر المرأة في صورة نمطية معتادة تقتصر على رعاية الأسرة والمنزل”، بينما أيدها فريق آخر يرى أن “رعاية الأسرة لها الأولوية على عمل المرأة.”
وكان مما جاء في كلمة د.شيرين غالب، أنها قالت: “كلمة بس للطبيبات الجمال اللي متخرجين النهارده، أنت بيتك ثم بيتك، أولادك وبعدين مهنتك، أوعي حد يقول لك مهنتك قبل ولادك، أوعي، حضرتك لو قعدتي في بيتك في مليون طبيب بره هيعالج، لكن لو سبتي ولادك ملهمش غير أم واحدة هو أنت”.
وتابعت نقيب أطباء القاهرة التي استقبلت الشابات الخريجات كلماتها بالتصفيق والابتسامات والترحيب، وظهر ذلك خلال مقطع فيديو يعرض كلمتها: «أنا في بداية حياتي تركت قسم «كلينيكال» وزوجي مقلش لي سيبي، لأني لقيت إن ولادي متبهدلين، ولقيت إنه بيحصل لهم مشاكل بسببي، فاخترت تخصص حتى لا أبات فيه برا البيت، فلما تيجي تختاري التخصص، حاولي تختاري التخصص اللي يناسبك، أو يناسب وضع بيتك وحطي في مخك برضه بيتك الأول”.
هجوم المجلس القومي للمرأة
وانطلقت العاصفة ضد د.شيرين غالب عبر الحساب الرسمي للمجلس القومي للمرأة (وهي عضو فيه) على فيسبوك، حيث علقت رئيسته مايا مرسي على حديث شيرين غالب قائلة: “كنت أتمنى أن تقف نقيبة أطباء القاهرة قائلة للبنات الخريجات: لقد واجهت صعوبات كثيرة لكي أنجح وأحقق ما ترونه اليوم…….”.
ومن جانبها قالت عبير سليمان الباحثة في شئون المرأة ومدير مركز ضد التمييز، إن تصريحات الدكتورة شيرين غالب جانبها الصواب، وحديثها ليس في موضعه الصحيح، لأن في تخرج دفعة من الطبيبات كان يجب عليها دعمهم، وتقديم نصايح للحقل الميداني القادمين عليه.
وشنت الحقوقية العلمانية المحامية نهاد أبو القمصان هجومًا شديدًا على الدكتورة شيرين غالب فقالت عبر الفيس بوك “مع تقديري لشخصك، دا كلام ينفع يتقال في تخرج إعدادية نسوية مش طبيبات متفوقات درسوا ٧ سنين ويعرفوا ينظموا حياتهم الخاصة والمهنية كمان كنت أتمنى تقولي للطبيبات إزاى يديروا وقتهم بأفضل شكل علشان يوصلوا للى حضرتك وصلتي له مش رسالة سلبية “.
مغردون يدافعون وآخرون يهاجمون
كما شن مغردون هجوما لاذعاً على نقيبة الأطباء، وتساءل بعضهم: “لماذا تطالب المرأة دائماً بترك عملها؟ لماذا لا يطلب ذلك من الأطباء الرجال؟”
فيما تعجب آخرون من أن غالب “لم تترك وظيفتها بما يوافق تصريحاتها”.
بينما رأى فريق ثالث أن “كلام غالب ليس خطأ ولكن الخطأ في توقيت تصريحاتها”.
بينما دافعت مغردات عن غالب وقلن إن “كل ما طلبته ترتيب أولوياتها حسب ظروفها”.
كما أشار فريق إلى أن “بعض مجالات العمل قد لا تناسب السيدات وقد يواجهن متاعب بسببها”.
“ويقتحمن مجالات ليست مناسبة لمعظمهن -أيوه لأسباب بيولوجية- فيواجهن متاعب طبيعة المجالات دي أو ظروفها -لأسباب وجيهة أحيانا وغير وجيهة أحيانا أخرى- عشان متبقاش المشكلة فيهم، هي مشكلة كبيرة وضعن فيها وكلام شيرين غالب وغيرها مهم عشان كده، انتوا مش مضطرين وفي حاجات أهم”.
أطباء يعلنون تضامنهم: مثل أعلى يُقتدى به
أما على المستوى النقابي والمهني فقد أعلن عدد كبير من الأطباء وأعضاء النقابة العامة للأطباء، عن تضامنهم الكامل مع الدكتورة شيرين غالب نقيب أطباء القاهرة، وذلك ضد الهجوم الذي تعرضت له على خلفية تداول مقطع فيديو عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» لها أثناء إلقائها كلمة تحفيزية في حفل تخرج طالبات «طب أزهر أسيوط»، حيث وجهت نصائحها إلى الشابات تحديدا لتشدد على أهمية اهتمام المرأة بمنزلها في المقام الأول ثم من بعدها تأتي مهنتها.
وقال الدكتور جمال شعبان عميد معهد القلب الأسبق، إن الدكتورة شيرين غالب رمزًا للمرأة العاملة الناجحة فهي أستاذة جامعية ونقابية وناشطة في العمل العام، ولا يجوز الهجوم عليها واقتطاع كلمتها من سياقها، هي تنصح خريجات الطب باختيار التخصصات التي تناسب ظروفهن الاجتماعية وعمل توازن بين الحياة العملية والأسرية.
فيما وجه الدكتور أبوبكر القاضي أمين صندوق النقابة العامة للأطباء، حديثة للدكتورة شيرين قائلًا: “جميعنا نتعلم منك الذوق والأدب والعلم، كل الحب والتقدير استطعت تحقيق المعادلة الصعبة، التفاني في العمل والاستقرار الأسري، وأول نقيب لأكبر نقابة فرعية (القاهرة)، إيه تاني ممكن الطبيبات يتمنونه حتى يفكروا في شخص آخر مثل أعلى يقتدون به؟!”
ومن جانبه قال الدكتور خالد أمين عضو مجلس النقابة العامة للأطباء، إن الدكتورة شيرين غالب حققت الكثير من أطراف المعادلة إنسانياً وعلمياً ومهنياً وحقوقياً ونقابيًا.
وتابع: الدكتورة شيرين حكت تجربتها وطريقتها الخاصة في النجاح التي جعلت منها أستاذة متميزة ونقابية مؤثرة وأول سيدة في منصب نقيب أطباء، وناشطة مجتمعية وحقوقية في قضايا المرأة والصحة وغيرها، ومنذ ساعات تقلدت مشرفة على مركز استشارات الطب الشرعي، وغير ذلك انها بالفعل شخصية رائعة وثرية إنسانيا بشكل كبير، إن لم تكن تلك تجربة تستحق الاحتفاء والذكر فأي تجربة تملكونها لتقديمها نموذجاً للسيدات؟!
وتساءل مستنكرًا: ما الذي يزعج البعض أن الدكتورة شيرين شجعت الطبيبات في اختيار ما يناسبهم وما يناسب حياتهم، ما الذي يزعج البعض من الحديث عن الأسرة والزواج والتربية، ولماذا الإصرار على أن الخط المهني والخط الاسري لا يلتقيان؟.
أما الدكتور أحمد حسين عضو مجلس نقابة الأطباء، فقد كتب على صفحته عبر الفيس بوك قائلًا: أستاذتنا العظيمة لا ندعمك، بل نحن من نطلب الدعم منك دوما، العظماء دائمًا متواضعون، لا توجد كلمات تعبر عن حب الناس لك الإنسانة العظيمة والأستاذة المثالية والنقابية الأسطورة، أستاذتنا الغالية.
رئيس لجنة الفتوى يشيد
كما دافع كثير من علماء الدين والشيوخ عن د.شيرين غالب، فقال الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر سابقا، إن الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع، وإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع كله، والمجتمع كله ما هو إلا أسر، فلو أن الأسر كلها صالحة كان المجتمع كله صالحا نافعا.
وأضاف الأطرش “إذا فسدت الأسرة فسد المجتمع كله”، لافتا إلى أن عماد الأسرة الزوج والزوجة، فإذا كان الزوج صالحا والزوجة صالحة تأكد تماما أن الرعية ستكون كذلك.
وأوضح الأطرش في رده على مهاجمي الدكتورة شيرين غالب، نقيب أطباء القاهرة، قائلا: “فإذا لم تهتم المرأة بأسرتها والزوج بأسرته، فماذا تنتظر من النشء الصاعد، فلا شك أنك ستجد شبابا فاشلا وانفلاتا أخلاقيا، فإذا وجدت انفلاتا أخلاقيا لن نجد طبيبا ناجحا أو مهندسا فالحا، ولا جنديا يحافظ على تراب وطنه”.
رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا تابع قائلًا: “أما إذا تربى الأبناء تربية صالحة، رأيت الشرطي الأمين والطبيب الناجح والمهندس البارع، لأن الأسرة التي تخرج الأجيال، فالمستشفي بدون طبيب لا فائدة منه، والمدرسة بدون معلم لا قيمة لها”.
وأضاف: إن النبي صلى الله عليه وسلم اول من سانده الشباب وأول من عارضه الشيوخ، فالشباب أذهانهم حاضرة وأعمارهم قوية، فهم عماد الأمة، خاصة من كانت تنشئته سليمة سوية واهتم به والداه.
وأكد الشيخ الأطرش أن من يطالب الشباب بالاهتمام بالبيت والأسرة أولا فهو على صواب، لأن ذلك بداية نجاح وفلاح المجتمع.
د.شيرين: متمسكة برأيي وموقفي
وفي أول رد فعل وتعليق منها على الهجوم الذي تعرضت له بسبب كلماتها أوضحت الدكتورة شيرين غالب كواليس رسالتها الموجهة إلى الخريجات وأسبابها، قائلة: «كانت الكلمة ضمن حفلة تخرج، منذ عام، ومقطع الفيديو هو جزء أخير من كلمة طويلة مدتها 20 دقيقة، وكنت خلالها أوجه للطبيبات نصيحة حول ما عليهم فيما يخص عملهم ومستقبلهم المهني بتقديم النصائح لهن».
وتابعت: «كلمتي واضحة تمامًا وأنا أعيدها مرة ثانية وثالثة، قولت: أطفالي أهم حاجة، لكن العمل مهم للمرأة بدليل أني حصلت على ماجستير ودكتوراه في الطب الشرعي والسموم وأنا المرأة الوحيدة في الوطن العربي التي منحتها الكلية الإنجليزية زمالة الطب الشرعي وأول نقيب أطباء امرأة في القاهرة، وعُرض على أمس منصب مدير وحدة في كلية القصر العيني».
واستكملت: «أسافر خارج مصر باستمرار وألقى محاضرات في دول العالم، وتم تكريمي من جميع أنحاء العالم، فقام رئيس جمهورية تايوان بتكريمي وحصلت على تكريمات أخرى من ألمانيا والهند وإندونيسيا وهولندا، الحمد لله أنا ناجحة وبالتأكيد أنا لا أقول للبنات الزموا المنزل، المهنة ثم المهنة ثم المهنة، لكن أولًا أهتم بأطفالي».
وأضافت د. شيرين غالب: «أنا بدلت تخصصي من الباطنة والجهاز الهضمي، رغم أني كنت أحقق نجاحًا به وأحبه وذلك لئلا يناسبني البقاء خارج المنزل طوال الليل وهذه هي حياتي وكنت بقول للبنات اختاري تخصص يناسب وضعك المنزلي، وإذا كنتِ لديك في حياتك من يساعدك مثل والدتك أو مساعدة في المنزل اختاري تخصص جراحة.. كل ما طالبت به الخريجات أن يجيدن صنع توازن بين العمل والمنزل».
وأضافت قائلة: «في حالة عاد بيّ الزمن كنت سأختار نفس الأشياء وأنا لدي طموحات لكن الحمدلله في أول حياتي عملت توازن..وأنا لا أعلم الناس فهمت كلامي إزاي ولماذا الهجوم على كلماتي؟.. لا أقول للمرأة البقاء في المنزل كنت اخترت ذلك لنفسي والعمل مهم للمرأة ليس لتحقيق ذاتها فقط بل لتتمكن من الإنفاق على أولادها ونفسها وللمساهمة في المنزل ومع الزوج، لكن ليس على حساب أولادي، قولت فقط أننا نعمل توازن».
رابط فيديو كلمة د.شيرين غالب: