تصاعدت قضية الغش في اختبارات الثانوية العامة بالكويت، مع دعوة أعضاء في مجلس الأمة (البرلمان) لإقالة جميع القياديين في وزارة التربية فوراً، وعقد جلسة خاصة في الأول من فبراير لمناقشة هذه الظاهرة، وإقرار قانون يجرم هذه الظاهرة التي تحولت إلى ثقافة مجتمعية.
وطالب رئيس «اللجنة التعليمية» بمجلس الأمة النائب د. حمد المطر، سموَّ رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد النواف، ووزيرَ التربية وزير التعليم العالي د. حمد العدواني، بحضور الجلسة الخاصة والاستجابة لنداء الأمة لمناقشة ظاهرة الغش التي ستدمر المجتمع بأكمله.
واستغرب المطر مما قاله وكيل وزارة التربية بأنهم لم يلاحظوا وجود غش منذ خمس سنوات، وأنهم تحركوا وأرسلوا كتاباً إلى وزارة الداخلية بعد تفاعل المشكلة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال المطر: إن رئيس الحكومة الذي يقوم بإصدار مرسوم تعيين القياديين في وزارة التربية مطالب بإقالة جميع قيادات وزارة التربية، مؤكداً أن هذا أقل شيء يتماشى مع حجم الجريمة؛ لأن قياديين في الوزارة لا يعرفون تقييم المشكلة، وليس لديهم رؤية ولم يقدموا مبادرات.
وذكر المطر أنه كانت هناك محاولات غش في السنوات الماضية لكنها تحولت إلى ظاهرة وثقافة مجتمع، مشيراً إلى أن الطالب الآن يسأل المدرس عن سبب عدم تركه يغش.
وكشف المطر عن أن حالات الغش وصلت إلى أكثر من 40 ألف حالة، والوصول إلى مرحلة أن بعض أولياء الأمور هم الآن من يغششون أبناءهم.
وحذر المطر من أن هذه الثقافة قادرة على تدمير المجتمع الكويتي، وتزور عقول الطلبة من دون أي عدالة أو مساواة، بينما قيادات وزارة التربية ممثلة بالوزير عاجزة أمام هذه القضية.
خطوات حازمة
هذا، وأكدت وزارة التربية مضيها قدماً في محاربة ظاهرة الغش في الاختبارات، مؤكدة أنها لن تتوانى عن مواصلة مسيرة الإصلاح لبناء جيل قادر على تحمل المسؤولية والمشاركة في بناء الوطن.
وقال المتحدث باسم «التربية» أحمد الوهيدة: إن الوزارة عملت من خلال كافة الوسائل المتاحة لاجتثاث ظاهرة الغش والقضاء عليها، وانتهجت عدة إجراءات فعلية على أرض الواقع قبل فترة امتحانات الفصل الدراسي الأول، بناء على خطة عمل ممنهجة لمحاربة ظاهرة الغش.
وأضاف الوهيدة أن الوزارة بادرت بخطوات جادة وحازمة من خلال مخاطبة وزارة الداخلية ممثلة في إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، للعمل على اتخاذ الإجراءات القانونية المقررة حيال المواقع الإلكترونية وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية المشبوهة التي تخل بسير الامتحانات، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة حيال القائمين على النشر بالمخالفة لأحكام القانون.
واستدرك قائلاً: وإذ تثمن وزارة التربية التعاون المثمر والبناء مع وزارة الداخلية وما قامت به من سرعة في التحرك والقبض على القائمين والمشاركين في تلك المواقع، وحفاظاً على سرية التحقيقات التي ما زالت مستمرة، بحضور ومتابعة حثيثة من قياديي وزارة التربية، فإذا ثبت فعلياً، بعد ما تسفر عنه نتائج التحقيق الجنائي، ضلوع أي شخص من منتسبي الوزارة في القضية أياً كان منصبه أو مسماه الوظيفي، ستطبق عليه الإجراءات القانونية، وكذلك الأمر بالنسبة للطلبة؛ فمن يثبت في التحقيقات مشاركتهم بتلك المواقع وارتكابهم لواقعة الغش سيتم تطبيق الإجراءات القانونية بحقهم.
وقد توالت ردود الفعل حول ظاهرة الغش، حيث قال النائب د. عبدالعزيز الصقعبي: إنه رغم الوضع السياسي المشحون لا يمكن أن نتجاوز خطورة ظاهرة الغش، وأضاف أن الأعظم من الظاهرة هو أن يتعوّد المجتمع عليها، وأن يرعى مسؤول حكومي أو مشرّع هذه الظاهرة ويحمي مرتكبيها!
وأكد الصقعبي أنه سيتقدم بأسئلة برلمانية للوزراء المعنيين حول هذه القضية الخطيرة لمعرفة من المسؤول عنها.
فيما قال النائب السابق محمد حسين الدلال: لا تعالج ظاهرة الغش بزيادة العقوبات فقط، مشيراً إلى أن قبول الغش نفسياً وأخلاقياً والعمل به مشكلة اجتماعية بالدرجة الأولى، وتنبئ عن وجود سلوكيات اجتماعية أخرى خاطئة.
وتابع الدلال: تتحمل مكونات المجتمع من أسرة ومدرسة ووسائل إعلام نمو الظواهر السلوكية الخاطئة، مبيناً أن هذا الأمر يتطلب تصدياً رسمياً وشعبياً بمعالجة اجتماعية شاملة.
وأشار أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية بالكويت د. هشام العوضي إلى أن محاربة الغش بداية تحتاج إلى تحرير المصطلحات والمسميات، فالغش ليس ظاهرة، بل هو واقع نعيشه في الكويت، وهو واقع فساد الذمم والضمير.
ولفت العوضي إلى أن المشكلة ليست في الطلبة، ولكن في تورط مدرسين وتربويين في هذا الواقع، مشيراً إلى أنه يجب الابتعاد عن رد الفعل عند الإصلاح، وأن يتم استخدام التكنولوجيا في منع الغش، متسائلاً: أين سيعمل هذا الغشاش بعد تخرجه؟ مؤكداً أنه سيعمل في الوزارات والمناصب القيادية، بل من الممكن أن يكون تربوياً ويقوم بتسريب الامتحانات من داخل اللجان نفسها!
حلول جذرية
فيما أوضح رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت خلال الفترة الانتقالية د. إبراهيم الحمود أن الغش في الامتحانات والتفوق المصطنع أصبح ظاهرة ترعاها عصابات منظمة وكيانات محترفة متمرسة متغلغلة في الوسط التعليمي ذاته، وبرعاية من جهاز تنفيذي قادر على تحقيق الانتشار والتوسع في بسط سيطرته على مدخلات التعليم ومخرجاته، حتى غدت مصداقية النجاح والتفوق الاستثناء من الأصل المنحرف.
وتابع: العقوبات الرادعة مهما كانت قسوتها لن تكون الحل الذي ينهي ظاهرة الغش وتمددها بعد أن غدا الغش ثقافة وأصلاً في التعليم.
ودعا الحمود إلى ضرورة البحث عن حلول جذرية أخلاقية في المقام الأول، مصدرها الأسرة بحسبانها المدرسة الأولى للتربية والتهذيب، ثم المنظومة التربوية وتكوينها وترتيبها وطريقة عملها، فهي التي تغرس القيم والمبادئ الاجتماعية والثقافية في النشء.