تحيي البوسنة والهرسك، في الأول من مارس من كل عام، ذكرى إعلان استقلالها عن يوغوسلافيا، بموجب الاستفتاء الشعبي الذي أجري في مثل هذا اليوم عام 1992 أي قبل 31 عاماً، وصوّت غالبية المشاركين فيه لصالح خيار الاستقلال.
من الطبيعي أن تستقل الدول سواء بعد احتلال أو كونها جزءًا من مكون أكبر، إلا أن البوسنة والهرسك مرت بتجربة مريرة في هذا الطريق ودفعت فاتورة باهظة الثمن من أرواح أبنائها خاصة المسلمين منهم من أجل الاستقلال، إذ استغل الصرب هذا الخيار الشعبي كمبرر لارتكاب جرائم الإبادة ضد المسلمين البوشناق لإجبارهم على الاستمرار في التبعية ليوغسلافيا وفي القلب منها صربيا.
البوسنة والهرسك مرت بتجربة مريرة ودفعت فاتورة باهظة الثمن من أجل الاستقلال
ما قبل الاستقلال
كانت البوسنة والهرسك إحدى الجمهوريات المكونة ليوغوسلافيا الاتحادية (صربيا، البوسنة، الجبل الأسود، مقدونيا، سلوفينيا، كرواتيا)، ويتألف سكان البوسنة من ثلاثة مكونات، هي: البوشناق، والصرب، والكروات، وكلها ترجع إلى العرق السلافي القديم، وهو عرق أوروبي هاجر من مناطق شمال البحر الأسود، واستوطنوا الجنوب وعرفوا بـ«السلاف الجنوبيين»، وهو معنى كلمة «يوغسلافيا»، فكلمة «يوغ» في اللغة البوسنية تعني الجنوب، تجمع بينهم لغة واحدة هي اللغة السلافية «الأم» انحدرت منها لهجات لكن بمقدور كل منهم فهم الآخر.
بيجوفيتش رئيساً
في عام 1990 أنشأ علي عزت بيجوفيتش مع آخرين حزب «العمل الديمقراطي« (SDA) الذي فاز بالأغلبية في أول انتخابات برلمانية، وهنا انتخب بيجوفيتش رئيساً للبوسنة في أواخر عام 1990.
جرائم الإبادة التي شنها الصرب راح ضحيتها عشرات الآلاف وأكثر من 50 ألف امرأة وفتاة اغتصبن
في 29 فبراير والأول من مارس 1992، أجري استفتاء شعبي في البوسنة على الاستقلال عن يوغوسلافيا، صوّت غالبية المشاركين فيه لصالح خيار الاستقلال، وفي 6 أبريل اعترف الاتحاد الأوروبي بدولة البوسنة، والولايات المتحدة لحقته بعد يوم بذات الاعتراف، كما تم رفع علم البوسنة أمام مقر الأمم المتحدة في مايو 1992.
لكن نتيجة الاستفتاء وخيار استقلال البوسنة عن يوغوسلافيا لم يقبل بها صرب البوسنة أو نظراؤهم ممن تبقوا في يوغوسلافيا، فشنوا حرب إبادة ضد المسلمين البوشناق، قادها الجنرال العسكري لصرب البوسنة راتكو ملاديتش، وزعيم صرب البوسنة آنذاك رادوفان كراديتش.
هذه الحرب وجرائم الإبادة التي شنها الصرب وتعاون معهم الكروات أحياناً راح ضحيتها عشرات الآلاف في ظل غياب إحصاءات دقيقة، وإن كانت تقارير دولية تتحدث عن مائة ألف، وأخرى تحدثت عن 250 ألفاً، بالإضافة إلى اغتصاب أكثر من 50 ألف امرأة وفتاة من مسلمات البوسنة، وأجبر نحو مليونين على ترك منازلهم.
وقعت خلال هذه الحرب عشرات المذابح ضد المسلمين البوشناق، من أبرزها مجزرة سربرنيتسا التي راح ضحيتها 8372 من الذكور المسلمين في بلدة سربرنيتسا.
المسلمون البوشناق يمثلون 51% من سكان البوسنة.. يليهم الصرب 30%
الاتفاق الظالم
انتهب حرب البوسنة بموجب اتفاقية «دايتون»، التي تم توقيعها بباريس في 14 ديسمبر 1995، بين كل من علي عزت بيجوفيتش، رئيس البوسنة والهرسك آنذاك، والرئيس اليوغوسلافي الصربي سلوبودان ميلوزيفيتش، والرئيس الكرواتي فرانكو توجمان.
هذا الاتفاق يراه كثيرون ظالماً؛ فهو وإن كان قد أنهى الحرب، إلا أنه قسَّم البوسنة إلى قسمين؛ هما: فيدرالية البوسنة والهرسك، وتضم المسلمين البشناق وكروات البوسنة، وهي على مساحة 51% من الأرض، وجمهورية صرب البوسنة (صربسكا) على مساحة 49% من الأرض.
كما أنه أوجد نظاماً رئاسياً غريباً على رأس السلطة في البلاد، إذ إنه بموجب اتفاقية «دايتون»، يحكم جمهورية البوسنة والهرسك مجلس رئاسي من 3 أشخاص؛ ممثل للمسلمين وممثل للكروات وممثل لصرب البوسنة، والقرارات الخارجية تتم بالتوافق.
يشار إلى أن البوسنة تقع في الشمال الغربي من شبه جزيرة البلقان، مساحتها حوالي 51 ألف كم، وعدد سكانها نحو 4 ملايين، يمثل المسلمون البوشناق تقريباً 51% من السكان، يليهم الصرب 30%، ثم الكروات 15%، بالإضافة إلى قوميات صغيرة.
ورغم كل تلك السنوات على حرب البوسنة ومجازر الصرب ضد المسلمين البوشناق، فإن الجرح لم يندمل بعد بشكل كامل، فكثير من المسلمين الذين تم تهجيرهم لم يعودوا إلى بلداتهم مرة أخرى.