ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط، وقع بها الطاعون فهرب عامة أهلها، فنزلوا ناحية منها فهلك أكثر من بقي في القرية، وسلم الآخرون فلم يمت منهم كثير، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا بقينا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم.
فوقع في قابل فهربوا، وهم بضعة وثلاثون ألفا، حتى نزلوا ذلك المكان وهو واد أفيح، فناداهم ملك من أسفل الوادي، وآخر من أعلاه، أن موتوا فماتوا، حتى إذا هلكوا وبقيت أجسادهم، مر بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم، فجعل يتفكر فيهم، ويلوي شدقيه وأصابعه.
فأوحى الله إليه يا حزقيل تريد أن أريك كيف أحييهم؟
قال: نعم، وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم.
فقيل له: ناد، فنادى: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي، فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتى كانت أجسادا من عظام، ثم أوحى الله إليه أن نادِ يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحما، فاكتست لحما ودما وثيابها التي ماتت فيها.
ثم قيل له: ناد، فنادى: أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي فقاموا، قال أسباط: فزعم منصور بن المعتمر، عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، فرجعوا إلى قومهم أحياء، يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم، لا يلبسون ثوبا إلا عاد رسما، حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم.
-وأخيرا فإن هذه القصة إنما تؤكد على يقين راسخ أنه لن تموت نفس حتى تستنفذ أجلها وأن هذا لا ينفي التداوي وأخذ الحيطة وإنما تذم العقيدة السليمة هلع الأفراد عند الأوبئة والكوارث الطبيعية كما رأينا من سلوك البعض عند تفشي فيروس كورونا قبل أكثر من عامين