ما زال الغرب يمطرنا بمشكلات، أو معضلات يصعب وأحياناً يستحيل حلها، وآخر هذه المشكلات التي تعاني منها الأسرة المسلمة اليوم ألعاب الفيديو، التي انتشرت بين أبنائنا انتشار النار في الهشيم.
ولا شك أن مشكلة ألعاب الفيديو تشعل النار في بعض البيوت التي تحاول أن تربي وتنشئ أبناءها على مبادئ الإسلام، فالكبار يرونها مضيعة للدين والوقت والصحة والمال، والصغار أدمنوها ولا يعدمون إيجاد مبررات مقنعة أحياناً، على الأقل بالنسبة لهم، لممارستها، وعندما يفتح لهم باب ممارستها يكون انتقالهم في ممارسة هذه الألعاب من القلة إلى الكثرة، ومن الاعتدال إلى التطرف مسألة وقت.
في البداية يجب أن نذكر بأن الألعاب الإلكترونية منتج أوروبي في الأصل، وهذا يعني أنه يعتمد على الفلسفة الغربية وعلى طريقة الحياة الأوروبية، ولا يستجيب إلا لمطالب هي في الأساس أوروبية، وأن تطويعه كيما يستجيب لمتطلبات مجتمعات أخرى دونه خرط القتاد، ونحن، كمسلمين، إذا كنا نختلف جذرياً مع النظرة الأوروبية العلمانية للحياة، فلا بد أن نختلف بالضرورة مع هذا المنتج العلماني الرأسمالي، ويترتب على اختلافنا هذا أن ما قد يعتبرونه مزايا قد نعتبره نحن عيوباً، إذا اختلف مع قيمنا ومبادئنا، وما يعتبرونه ترفيهاً قد نعتبره نحن سفهاً وإسرافاً.
عموم البلوى
الآن وقد غزت الألعاب الإلكترونية بلادنا وسيطرت على قدر ليس باليسير من عقول أبنائنا، وأدمنتها شريحة كبيرة من الصغار والكبار، فالأطفال الصغار والشباب من مختلف الأعمار يقضون لياليهم ساهرين حتى الصباح يمارسون لعبة إلكترونية واحدة، أو يتنقلون بين عدة ألعاب متشابهة.
ولهذا أصبح انشغال الشباب المبالغ فيه أو إدمانه لتلك الألعاب مشكلة تؤرق الأسر المسلمة التي ترى انحرافاً ظاهراً في بوصلة أبنائها، تهدد بانحراف عام في بوصلة المجتمع والأمة.
مميزات ألعاب الفيديو
لا يمكن أن ننكر أن لألعاب الفيديو بعض الفوائد، ويقال: إنه عند استخدام ألعاب الفيديو بالطريقة الصحيحة تكون الألعاب مفيدة للأطفال والكبار، بغض النظر عن العمر، حيث يمكن أن تساعد في تدريب العقل، وبناء الروابط الاجتماعية، أو تحسين المهارات العملية في الحياة الواقعية.
ومن مزاياها أيضاً إمكانية تعزيز أنماط الحياة الصحية وزيادة النشاط الاجتماعي وإبطاء عملية الشيخوخة وتقوية القدرة على صنع القرار.
ويمكنها أن تقلل من التوتر، وتحسن ردود الفعل، والوظائف المعرفية ومهارات حل المشكلات واستخدام المنطق.
ولكن هل تبرر هذه المزايا للأسر ترك أبنائها نهباً لهذا الوافد الذي نجهل عنه أكثر مما نعلم، أم أننا ينبغي أن ندرسها وننقيها قبل أن نسمح بها؟
أضرار ألعاب الفيديو
هناك أضرار مؤكدة لألعاب الفيديو، يتفق عليها الجميع، في الشرق والغرب، ومن بين هذه الأضرار:
1- الأضرار الصحية:
– يرتبط الإفراط في ممارسة ألعاب الفيديو بعدد من المشكلات الصحية، من بينها الصداع واضطرابات الجهاز الهضمي وسرعة ضربات القلب أو عدم انتظامها وارتفاع ضغط الدم والحرمان من النوم والأرق واضطرابات إيقاع الساعة البيولوجية والاكتئاب والعدوانية والقلق.
– يعتقد الباحثون أن التعرض للعنف الشديد في ألعاب الفيديو يمكن أن يزيل حساسية الأفراد تجاه العنف الواقعي غير الافتراضي، مما يتسبب في مشكلات عاطفية، وقد يؤدي هذا إلى سلوك عنيف.
– يمكن أن تؤدي مشكلات إدمان الألعاب إلى إصابات متكررة بالإجهاد واضطرابات الجلد والنوبات المرضية لدى مرضى الصرع التي قد تصل في حالات نادرة الوفاة.
– أكبر تهديد لصحة الأفراد من ألعاب الفيديو «السلوك الساكن» (Sedentary Behavior)، الذي يزيد من خطر الوفاة لأي سبب من الأسباب.
2- الأضرار التربوية:
– ألعاب الفيديو يمكن أن تؤدي لإدمان الدوبامين، وتقليل الدافع، والكبت العاطفي، وضعف الصحة العقلية.
– التعرض للسلوك العنيف أو العنف في ألعاب الفيديو ووسائل الإعلام الأخرى يمكن أن يؤدي إلى تقليل حساسية الشباب عن طريق تخديرهم عاطفيًا، والتسبب في الكوابيس ومشكلات النوم، وإضعاف الأداء المدرسي، والتسبب في السلوك العدواني والتنمر.
– إذا كان طفلك يقضي عدة ساعات في ممارسة ألعاب الفيديو مع وقت طويل أمام الشاشة، فقد يؤدي هذا لضعف الأداء المدرسي بسبب الانشغال بالألعاب وبالتالي يقل تركيزهم على واجباتهم المدرسية.
– ألعاب الفيديو تسرق الوقت وتتسبب في الحرمان من النوم ومشكلات خطيرة في المواعيد النهائية وعدم القدرة على التخطيط للأنشطة الاقتصادية اليومية.
3- أضرار اجتماعية:
– تعتبر العواقب الاجتماعية جزءًا حقيقيًا من إدمان الألعاب الإلكترونية، حيث يقضي اللاعبون المدمنون وقتًا طويلاً في اللعب قد تنتهي بموت علاقاتهم الشخصية واختفائها أحيانًا.
– الإدمان على ألعاب الفيديو يمكن أن يؤدي للتوقف عن الاهتمام بالمهارات الاجتماعية، وتعد العزلة الاجتماعية أحد الآثار السلبية القاسية لألعاب الفيديو، حيث إنها تدمر الروابط الصحية بين العائلة والأصدقاء.
– يكتفي أولئك الذين يمارسون ألعاب الفيديو عبر الإنترنت باتصالات افتراضية يرونها أكثر قوة من الاتصالات الاجتماعية، وهم كذلك يفضلون تكوين صداقات عبر الإنترنت لأنهم يلتقون بالعديد من الأشخاص عبر الإنترنت أثناء ممارسة الألعاب.
4- أضرار اقتصادية:
– الإفراط في ممارسة ألعاب الفيديو يمكن أن يؤدي إلى تدهور الصحة البدنية والعقلية، مما قد يكون له عواقب اقتصادية.
– يمكن أن تكون ألعاب الفيديو مسببة للإدمان، مما يؤدي إلى فقدان الإنتاجية والتأثير المحتمل على الاقتصاد.
مأزق الأسرة المسلمة
تعلم الكثير من الأسر المسلمة أن ضرر هذا اللعب الإلكتروني أكثر من نفعه، ولكنها تضطر للسماح به كله أو بعضه، وهي في هذا مضطرة لعدة أسباب، أهمها:
– الجاذبية الشديدة لهذا النوع من الألعاب بسبب الانتشار الواسع وسهولة الوصول لوسائل التواصل الاجتماعي، إضافة للتنوع غير المسبوق لها؛ الأمر الذي جعل الكثيرين يزهدون في الألعاب الحقيقية ويتجهون للألعاب الافتراضية.
– سهولة الوصول إلى وممارسة الألعاب الافتراضية، فهي لا تحتاج لمكان متسع، ولا إلى تجمع ولا إلى جمهور، وتستعيض عن ذلك بأشياء افتراضية مثل التجمع «أونلاين».
– الانشغال الشديد لأولياء الأمور، فالأم تعمل مثلما يعمل الأب، وأحياناً يعمل أحد الوالدين ساعات طويلة ليلاً.
– غياب أو صعوبة البديل: يحار المرء إذا ما سئل عن بديل مناسب، أو مكافئ للألعاب الإلكترونية، من أين نأتي ببديل ممتع وشيق متاح للكبار والصغار ومتوفر على مدار الساعة للألعاب الإلكترونية؟!
كتب العلامة الهندي أبو الحسن الندوي كتيبه العظيم «ردة ولا أبا بكر لها» وهو يشرح مأزق الأمة الإسلامية الراهن، محاكاة لقول سيدنا عمر بن الخطاب، عندما كانت تواجهه قضية عويصة، فيشير إلى سيدنا علي رضي الله عنه وهو يقول: «قضية ولا أبا الحسن لها»، ونحن هنا نستطيع ونحن نثير قضية الألعاب الإلكترونية، أن نقول: «قضية ولا أبا الحسن لها»، وإن كانت تختلف عن تلك القضايا.