كان الهدوء يعم المكان قبل أن تدخل هي إلى تلك المائدة التي تضم صديقاتها وتنفجر وسطهم بالبكاء، لم تكن إحداهن تستطيع تمييز أي كلمة مما تقول؛ فقد سيطر عليها الانهيار، إلى أن تفهمن منها أن ذلك النذل الذي كانت تتنظر الزواج منه قد كشف عن وجهه القبيح وتنصل من كل الوعود.
بدأ في ابتزازها بما لديه من رسائل بينهما وربما الأكثر من ذلك، وعبثاً حاولن الوقوف بجانبها والتحدث إليه لكي يتوقف عن أفعاله تلك، لكنه لم يستجب، وأصر ألا يتركها إلا وقد سلبها كل شيء من مال وكرامة أو حتى من جمال، فقد احتل البؤس ملامحها دون رحيل، واكتست نفسها بالانكسار.
لم تكن هي الوحيدة التي خدعت بصورة مزيفة يزينها لنا الإعلام في كل ما يقدمه، فهي لم تكن سوى صورة مكررة من حوادث متشابهة وربما متطابقة، نفس المقدمات ونفس النتائج دون أدنى حذر من هذا التكرار.
حقاً إنه إعلام فاسد، أدى دوره بنجاح مذهل؛ فقد استطاع تغيير قيمنا ومفاهيمنا مستتراً تحت عباءة التمدن والحرية، يدس لنا السم في العسل لكي نعيش بذات القيم التي أفسدت الغرب.
انهيار غربي
وجراء ما يتعرض له الغرب من اهتزاز وانهيار مجتمعي، خرج العديد من الدعاوى الغربية التي تنادي بالعفة، فقد أصدر بابا الفاتيكان فرانسيس، العام الماضي، وثيقة تحث على عدم إقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، جاء في مقدمتها: «ضبط النفس يجب أن ينظر إليه على أنه حليف للحب»، مضيفة: «العفة تعلم احترام بعضنا بعضاً، وليس إخضاع أحد الأطراف لرغبات الآخر والصبر والتفاهم المتبادل في أوقات الأزمات، ومن المهم شرح هذه الفضيلة المسيحية للعرائس والعرسان».
وقد سبق ذلك حركة مسيحية، نشأت في الولايات المتحدة، أوائل التسعينيات تعلي شعار «الحب الحقيقي ينتظر»، وأهم ما كانت تدعو إليه الامتناع عن إقامه علاقات محرمة قبل الزواج.
وعلى دربها نشأت رابطة أسسها مجموعة من الشباب الألماني تدعو كذلك إلى الامتناع عن إقامة علاقات محرمة قبل الزواج حتى لا تؤثر تلك العلاقات سلباً على تفكيرهم، وأطلقوا عليها «رابطة الحد المستقيم».
وقد أجرى المركز الاتحادي للتوعية الصحية بألمانيا دراسة أكدت أن الشباب الألماني أخذ يتروى قبل الوقوع في إقامة علاقة قبل الزواج.
وفي الوقت الذي بدأ الغرب يتراجع عن كل تلك النداءات بالتحرر الذي اكتشف أنها لا تؤدي إلا إلى الدمار، نصرّ نحن على التخلي عن قيمنا وديننا الذي كان يحمينا مما يعاني منه الغرب الآن، بل نسمع كثيراً النداءات التي تدعو إلى إفساح المجال إلى التعارف المنفتح قبل الزواج دون وضع أي ضوابط، بل في كثير من الأحيان يدعو الأهل أبناءهم إلى الدخول في علاقات ليتمكنوا من الزواج في هذا الزمن الصعب!
وبدون وعي ينخدع الكثير من الشباب بتلك الصورة الزائفة التي يقدمها الإعلام، فيأخذ على عاتقه البحث عن الطرف الآخر الذي بدوره يجري وراء نفس الهدف، وعندما يلتقيان فلا يتوانيان عن تقليد ما كانا يشاهدانه على الشاشة الصغيرة، تحت مزاعم أن لقاءهما بكل ما يحتويه من تجاوزات أمر طبيعي للتعبير عن الحب!
لكن هذه الدعوة المضللة لم تنتج سوى علاقات أسرية مشوهة انتهت بالمجتمع العربي لتسجيل أعلى معدلات الطلاق حول العالم.
علاقات مبتورة
وهذا ما أكده الدكتور النفسي روبرت أبشتاين، الباحث في «سيكولوجية الحب» بجامعة كاليفورنيا، حيث ذكر أن الزوجين اللذين تزوجا بعد علاقة غرامية يبدأ الحب بينهما بمعدلات مرتفعة، ثم يأخذ في الانحسار والاضمحلال مع مرور الوقت، بينما الزوجان اللذان لم يدخلا في علاقه غرامية قبل الزواج فيبدأ الحب بينهما بمعدلات منخفضة وربما معدومة ولكنها تأخذ في الازدياد والتوهج.
ويؤكد د. إسماعيل عبدالباري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق المصرية، أن ما يقرب من 75% من حالات الزواج بعد علاقات الحب تتحطم على صخرة الانفصال، وربما لا تصل إلى مرحلة الزواج.
وقد يرجع سبب الفشل في تلك العلاقات إلى كونها مشاعر ليست حقيقية، وإنما هي علاقة سطحية مبنية على أسس خادعة يتجمل فيها كل طرف ويتسرع في الحكم على الطرف الآخر دون تحكيم العقل، فينساق فيها كل طرف لعواطفه، وبعد الزواج تأتي الصحوة، ويبدو الندم.
لكن هذا لا يعني الدعوة إلى الزواج دون معرفة سابقة، بل العكس، فقد وجهنا رسولنا الكريم إلى الخطبة حتى يشعر كل طرف بأنه يرغب في إتمام هذه الزيجة ويسعد بها، شريطة الالتزام بضوابط ديننا في التعارف المنضبط دون تساهل ينتج عنه ما لا يحمد عقباه.