مسرحية من تأليف الفرنسي “ألبير كامي” عام 1947 رسم فيها بالكلمات صورة عن الحكم الديكتاتوري، وصورة مقابِلَة للثائر عليه، رسمها في قالب رمزي قام فيه “الطاعون” (المرض والوباء) بدور الحكم الديكتاتوري، و”دييجو” بدور الثائر، وقد استطاعت المترجمة الدكتورة “كوثر عبد السلام البحيري” من خلال النسخة العربية التي نشرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت عام 2009، بعنوان “حالة طوارئ”، نقل مشاعر الكاتب المتدفقة من خلال ترجمته من الفرنسية إلى القارئ العربي.
الأحداث
بعد أن استولى الطاعون على الحكم، خاطب الشعب قائلا: “لا سيادة هنا لأحد غيري، هذا أمر واقع؛ فهو إذن حق، ولكنه حق لا يقبل المناقشة، وعليكم أن تروضوا أنفسكم على التكيف وفقه”.
ثم بدأ يوجه اتهاماته للشعب بأنه شعب كسول لا يرغب في العمل ويحب التبطل.
ثم بدأ من خلال أذرعه (السكرتيرة والقاضي) في تطويع الشعب وفق المفاهيم الوطنية الجديدة:
القاضي: اشرح لنا مشاعرك الوطنية.
الصياد: لقد كنت دائما أخدم مواطني بلدي.
السكرتيرة: هذه الطريقة في الرد ليست مصرحا بها.
القاضي: هذا السؤال يمكنني شرحه، فإن تحديد المشاعر الوطنية من اختصاص منصبي. الغرض من السؤال أن نعرف هل أنت من الذين يحترمون النظام القائم؟
الصياد: نعم؛ حين يكون عادلا ومعقولا.
السكرتيرة: أصبحت موضع شك، اكتب أن المشاعر الوطنية مشكوك فيها.
وتبدأ السلطة بإلزام كل مواطن بتعليق شارة تثبت انتماءه للحكم الجديد، ومن يرفض شراء شارة الانتماء، فله حرية ذلك، ولكن ينبغي عليه شراء شارة عدم الانتماء؛ حتى تعلم السلطة من هو الوطني ومن هو عدو الوطن.
ويبدأ “الطاعون” في تطويع الشعب وفق قواعده البيروقراطية المرهقة، فيفرض على كل مواطن أن يستصدر من الدولة شهادة تثبت أنه ما زال على قيد الحياة، وتشترط السلطة أن تكون هذه الشهادة مؤقتة، ويجب تجديدها كل فترة زمنية.
وحين يشتكي الصياد من رفض موظف السلطة إعطاءه شهادة صحية لعدم حصوله على شهادة تفيد بأنه على قيد الحياة، تجيبه سكرتيرة النظام:
“نعم؛ هذا يدل على أن هذه المدينة بدأت تخضع لإدارة حسنة، إن اقتناعنا بأنكم مذنبون، مذنبون لكونكم محكومين، ولذا يجب أن تشعروا أنتم أنفسكم بأنكم مذنبون، ولن تعهدوا في أنفسكم هذا الشعور إلا إذا شعرتم أولا بالتعب، إذن فنحن نتعبكم، هذا كل ما في الأمر، وحين يضنيكم التعب يسير ما تبقى من الأمر تلقائيا”.
بدايات الثورة
ومع تململ الشعب من الإجراءات التي فرضها الطاعون عليهم من حصار وضيق في المعاش وكبت للحريات، يقرر “دييجو” منفردا مواجهة “الطاعون”، فيسعى “الطاعون” لقتله، ويحذر شرطته بأن “دييجو” إذا تمكن من الهرب سيكون هو الملك، ثم يصرخ “الطاعون” في شرطته:
“ميزوه بعلامة، ميزوهم جميعا، حتى الكلام الذي لا يقولونه يمكن سماعه، إنهم لا يستطيعون الاحتجاج ولكن صمتهم له صليل. حطموا أفواههم وكمموهم وعلموهم الكلمات الرئيسية حتى يكرروها، ويصبحوا المواطنين الصالحين الذين نحتاج إليهم”.
ولكن “دييجو” يخاطب “الطاعون” في عناد: “لا بد من تحذيرك، إن رجلا مفردا متوحدا تصبح به دنياك أشد ضيقا؛ لأنه مسكين بأفراحه وأوجاعه، وسأظل ما دمت حيا أخلخل نظامك البديع بصرخات أطلقها، إني أرفضك، أرفضك بكل كياني”.
ويستمر في فضح نظام “الطاعون” ويكشف منهجه:
“نعم لقد فهمت نهجك، لقد أعطيتهم (الشعب) ألم الجوع والفراق حتى تلهيهم عن ثورتهم، إنك تعمل على إنهاكهم والتهام رزقهم حتى لا تكون لهم فسحة أو همة للغضب، كل منهم في وحدة، رغم أنه في حشد، وأنا أيضا وحيد، كل منا أصبح وحيدا بسبب جبن الآخرين”.
ويخاطب “دييجو” الشعب الخانع تحت أمل الحفاظ على لقمة العيش: “سوف تفقدون الزيتون والخبز والحياة لو تركتم الأمور كما تسير الآن، اليوم لا بد لكم من هزيمة الخوف لو شئتم أن تحتفظوا بالخبز فقط”.
ويقاوم فيهم اليأس بقوله: “من ذا الذي يتكلم عن اليأس، إن اليأس كمامة على الفم، إن رعد الأمل وبرق السعادة، هما اللذان يخرقان صمت هذه المدينة المغلقة بسياج”.
“الطاعون” يتراجع
حين تدرك السلطة انفراط الأمور من يدها وترى بوادر نجاح الثورة، تبدأ في تدابير انقلاب داخلي يضمن استمرار سلطة “الطاعون” ولو تغيرت الوجوه، فتخاطب السكرتيرة الشعب قائلة:
“لم تعد الثورات في حاجة الى ثوار، إن الشرطة اليوم تكفي لكل شيء حتى لقلب الحكومة، أليس هذا أفضل على كل حال؟ هكذا يستطيع الشعب أن يستريح، بينما تفكر له بعض العقول الراجحة وتقرر بدلا منه مبلغ السعادة التي تصلح له”.
ثم تبدأ السلطة في تقديم بعض الإغراءات والحلول الجزئية، وينتهي الأمر بحوار مباشر بين “الطاعون” و”دييجو”، يقدم فيه الكاتب حوارا بديعا نجتزئ منه مقتطفات بتصرف:
الطاعون: أنت تعرف أنهم (الشعب) يتركونك دائما بمفردك، والرجل الذي يعيش بمفرده لا بد أن يموت.
دييجو: سواء رضوا أم لم يرضوا سيظلون معي.
الطاعون: قطيع لا يشرح النفس في الحقيقة، ولكن يوهمُ بالقوة.. إنه زمن العبيد.
دييجو: بل زمن الرجال الأحرار.
الطاعون: أين هم الأحرار؟!
دييجو: إما أحياء في سجونك وإما أموات في الحفر التي شققتها لتكديس الجثث، والعبيد هم الذين يتربعون فوق العروش.
الطاعون: خطة عملنا اليوم قد بلغت كمالها؛ لذلك فبعد أن قضينا بالقتل والإذلال على القدر الكافي من الشعب، فسندفع الشعب بأكمله للجثو على الأرض. وسنسعى للتلاعب بالعقول، المجد للأغبياء لأنهم هم الذين يمهدون لي الطريق؛ فهم عماد قوتي وأملي. ربما سيأتي يوم تبدو لكم فيه كل تضحية بلا جدوى، وتخمد فيه أخيرا لثوراتكم القذرة صرخاتها التي لا تنقطع. في هذا اليوم سوف أسود على شعب من العبيد.
النهاية
تنتهي المسرحية بموت “دييجو” الذي أدى ما عليه، ووقف وحيدا في شجاعة قهرت الخوف في مواجهة الطاعون، ولكن موته يرسم مشهد المسرحية الأخير، الذي يوحي بفورة الشعب كأمواج البحر التي تطهر المدينة من الطاعون.