إن التاريخ العربي والتاريخ الإنساني وتاريخ حركة القيم والمقاومة سوف يتوقف كثيرًا عند يوم السابع من أكتوبر 2023م، ذلك اليوم الذي برهان المقاومة وصمود أهلنا في فلسطين عامة وأهلنا في غزة خاصة، سوف يغير مجرى التاريخ ووجهته، ذلك اليوم الذي أقام مراكز البحوث والاستخبارات العالمية من مقاعدها ولم يقعدها حتى الآن، ذلك اليوم الذي أدهش الإنسان العالِـم والإنسان العادي البسيط، ذلك اليوم الذي ارتجف له العدو ومنه، وانخلع له قلب الصديق ومنه، ذلك اليوم الذي وهج به قلب المؤمن ثم عاد واطمئن.
إن يوم السابع من أكتوبر المجيد لا يمكن أن يتحقق وصف له إلا بتلك اللفظة القرآنية «القارعة» التي تعني في بعض معانيها: الزلزلة والخطب الجلل والتي تقرع القلوب بما تبثه في نفس السامع من رهبة وعظمة وتأثر.
لقد خط هذا اليوم خطًا بارزًا لا يمكن بأي حال من الأحوال محوه مهما كانت جرائم الاحتلال التي يرتكبها بحق المدنيين والأطفال والنساء من أهل غزة، حيث يحاول بكل غطرسة إثبات جدارته المهزومة على تلك الفئات التي ليست طرفًا مباشرًا في المعركة، حيث إنه لا يستطيع أو لم يستطع حتى الآن -ولن يستطيع- بإذن الله تعالى.
كانت القارعة هي يوم السابع من أكتوبر وقعت على هذا العدو ولم يستفق منها حتى اليوم، لذلك تراه كالثور الأهوج يطيح بقرنيه المكسورتين في كل من يقابله من حائط أو إنسان، جدار أو حجر، كبير أو صغير، مسلم أو مسيحي، إنه لم يفق من القارعة التي حلت به واستمرت فقط 8 ساعات، امتلكت المقاومة 11 موقعًا عسكريًا، وحاصرت 25 مستوطنة مسلحة واقتحمتها، ودمرت أرتالاً عسكرية ومعدات واقفة في مكانها لم تتحرك ولم يكن لديها القدرة أن تتحرك.
استطاعت المقاومة الحرة أن تستولي على معدات وأجهزة استخبارية كاملة، بل وأن تصل إلى أماكن خاصة لا يعرفها ضباط كبار وجنود، وكأنها كانت تعيش داخل الفرقة المسماة «فرقة غزة»، استطاعت هذه البقعة الصغيرة من العالم أن تشد إليها أنظار وعقول كل العالم، وتحولت إلى منطقة جذب وقطبية جديدة للعالم، كبديل للقطبية المتهالكة (موسكو – واشنطن) أو المحدثة (بكين – واشنطن) لتصبح (غزة – المقاومة).
إن «القارعة» ليست حدثًا محليًا يخص زلزلة المحتل والمغتصب، لقد تحول هذا الحدث إلى رمزية للحرية والتحرر والحق والحقيقة والكرامة عبر الزمان والمكان، فشارك أحرار العالم وأصحاب الكرامة الإنسانية على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأديناهم غزة في الدفاع عن حريتها وحقها في التحرر والتحرير والاستقلال والكرامة، وذلك على مدار الزمن الذي تختلف خطوط طوله وعرضه ولكن لم تختلف بوصلة الحرية والتحرر باتجاه غزة، فاجتمع المختلفون في خطوط الطول والعرض على اختلاف زمانهم ومكانهم وتوجهوا بقلوبهم وأصواتهم ناحية تلك المركزية الجديدة للحرية غزة.
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ!
إن إعادة بناء موازين القوى وميزان القوة كان أكبر صاعقة نزلت على العالم، الذي لا يقدر إلا كل صاحب قوة، سواء أكانت تلك القوة بالحق أو الباطل، ولكن العالم لم يكن يحسب حسباناً آخر، وهو أن الإرادة -إرادة الحياة الحرة- وتحقيق الكرامة الإنسانية أكبر من أي عتاد يمكن أن يمتلك، إن تلك الإرادة أحدثت هذه اليقظة الكامنة في عقل المقاوم إيمانًا صناعة وعلمًا وتخطيطًا وجسارة تفوق إمكانات، وصنعت في بيئة المقاومة وعياً ويقظة غير مسبوقة منذ عصر النبوة، حيث الاحتساب والتسليم لله تعالى، والمساندة والإسناد لكل فعل مقاوم.
لقد وقعت القارعة على رأس الشيطان الأكبر (البيت الأبيض شكلًا، الأسود قلبًا وباطنًا)، فلم يفق منها، وخرف في بياناته وأقواله، كما خرفت استخباراته التي ما فتئت تملأ العالم ضجيجًا بقدرتها ليس فقط التجسس على الأرض، بل التجسس على الكواكب الأخرى، لكنها لم تستطع أن تتجسس على تلك البقعة المباركة من العالم، ترى أين كانت أجهزتها، وعملاؤها، وتقاريرها، في يوم القارعة السابع من أكتوبر 2023م، وكيف يمكنهم أن يتداركوا أو يقوموا بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء قبل فجر ذلك اليوم وشروقه، الذي أطل على الإنسان الجديد في العالم الجديد إن شاء الله.
لقد غيرت القارعة التي نزلت بالعدو الصهيوني كثيرًا من ثوابت المفاهيم أو التي ظنت الإستراتيجيات المعاصرة ثبوتها، إن الأمن كامن في الشعور بالمخاطرة من أجل تحرير الذات، وليست فكرة «استقرار المواطن العربي»، أو بحسب التعبير الشائع «المواطن المستقر»، لقد ألقت قارعة السابع من أكتوبر الوهج في قلوب أبناء الأمة العربية والإسلامية وشبابها وأطفالها وهبوا في هتافات ورغبات وأشواق للمشاركة في هذه الصاعقة والقارعة على العدو، وبدأت «العبودية المختارة» لهذه الشعوب من مساءلة نفسها، بالبحث عن الحرية والتحرر على نموذج غزة ونهج المقاومة الراشد.