من بركات ملحمة «طوفان الأقصى» أن الصدق تفوق أو كاد أن يتفوق على الكذب، وأن الحقيقة التي تعرضت طويلاً للتشويه تتحرك بقوة لتقهر الزيف، ولا شك أن هناك شيئاً مذهلاً يحدث في خضم العدوان الظالم المستمر على غزة، فالعالم يرى ويلمس الحقيقة، والصدق يغزو لأول مرة مواطن كثيرة في قلب العالم الغربي الذي تعود التلاعب حتى بالبدهيات وامتلك أدوات تشويهها، وهذه نقطة تحول مفصلية في عالم اليوم.
وهذه بركة الجهاد يقول الله تعالى: (كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) (الرعد: 17).
نهاية الكيان المحتل
عندما سئل شبان أمريكيون في استطلاع أجراه باحثون من جامعة هارفارد وشركة الاستطلاعات «هاريس بول» عما إذا كانت «إسرائيل» ترتكب إبادة جماعية ضد سكان غزة أم أنها تحاول فقط الدفاع عن نفسها والقضاء على «حماس»؟ قال 60% من الأمريكيين، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا: إن «إسرائيل» ترتكب إبادة جماعية.
وهذه نتيجة مذهلة وتحول مدهش في الرأي العام في دولة مثل أمريكا، يتمتع فيها الصهاينة بنفوذ جبار، ويملكون فيها الإعلام والأعلام؛ بمعنى أنهم يسيطرون على أجهزة الإعلام بكل أدواتها المادية والبشرية، وهم أيضًا من يخشاهم أعلام المجتمع الأمريكي المؤثرون من المفكرين والسياسيين في الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي.
وما يؤكد أن هذا التحول الخطير في الرأي العام الغربي ما هو إلا بركة لملحمة «طوفان الأقصى» وبشرى للمجاهدين الأفذاذ، أننا، كعرب ومسلمين، وخصوصًا على المستوى الرسمي، لم نقدم أو نبذل الجهد المطلوب للوصول إلى هذه النتائج العظيمة، وصدق الله العلي الأعظم القائل في محكم التنزيل: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران: 126).
إنهاء «إسرائيل» بدلًا من حل الدولتين
ووجد نفس الاستطلاع أن 51% من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا قالوا: إنهم يعتقدون أن الحل الطويل المدى للصراع «الإسرائيلي» الفلسطيني هو إنهاء «إسرائيل» وتسليمها لـ«حماس» والفلسطينيين، وهذه مواقف راديكالية لم يكن لأحد أن يتوقعها قبل الطوفان.
وهذا رأي لا يراه 90% من الساسة على مستوى العالم، وإن كانت هناك بعض أصوات لمفكرين قد علت في الآونة الأخيرة مطالبة بحل الدولة الواحدة أسوة بما حدث في جنوب أفريقيا.
لا شك أن إنشاء دولة واحدة في فلسطين التاريخية ما زال موضوعًا معقدًا ومثيرًا للجدل ويتطلب تحليلًا دقيقًا للجوانب التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ففكرة توحيد «إسرائيل» وفلسطين في دولة واحدة لا تطرح فرصاً ولكن تطرح تحديات أيضًا، فهي من ناحية توفر إمكانية تحقيق المساواة في الحقوق والأمن والاستقرار الاقتصادي لجميع السكان الذين يعيشون في المنطقة، وهذا يمكن أن يعزز السلام والوئام بين المجموعات الدينية والعرقية المختلفة، ولكن دمج هذين الكيانين في دولة واحدة قد ينطوي على ذوبان أحدهما في الآخر، وهذا ما يخشاه الكيان الصهيوني، وسيتطلب ذلك مفاوضات مكثفة وشاقة بين السلطات «الإسرائيلية» والفلسطينية، فضلاً عن أصحاب المصلحة الدوليين، أمريكا وأوروبا الذين يمارسون دورًا أساسيًا في إدامة هذا الصراع.
فهل ستوافق أمريكا على التنازل عن «حاملة الطائرات» المزروعة في قلب العالم العربي والإسلامي بهدف الهيمنة والسيطرة والتحكم؟
وأوروبا هل ستتخلى عن مشروعها الذي خلقته ليستوعب عالمًا عربيًا وإسلاميًا ويشغله بنفسه، وهو العالم الذي جعل وجود أوروبا بثقافتها وبطريقة حياتها محل شك عدة مرات كما يقول برنارد لويس؟
دولة ظالمة تمارس إبادة جماعية
المهم أن الرأي العام في أمريكا، حسب الاستطلاع المذكور، يستشرف عالمًا أكثر عدلًا، ويتطلع إلى حل أكثر راديكالية للسرطان الذي زرعوه في أرضنا.
فردًا على سؤال عما إذا كانوا يعتقدون أن «حماس» منظمة يمكن التفاوض معها لتحقيق السلام؟ قال 76% من الأمريكيين في الاستطلاع، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا: إنهم يعتقدون أنه يمكن التفاوض معها.
كما أظهرت النتائج أن غالبية الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا وبين 25 و34 عامًا يعتقدون أن «إسرائيل» ترتكب إبادة جماعية في غزة.
وبحسب نفس الاستطلاع، فإن 67% من المستجوبين من هذه الفئة العمرية يرون أن اليهود «ظالمون» ويجب أن تتم معاملتهم كذلك.
طوفان وسائل التواصل!
ماذا حدث ليقع كل هذا التطور، ولتقع هذه الطفرة؟ الذي حدث هو أن الشريحة الأكبر من الناس، في كل أنحاء العالم، وعلى الأخص في أوروبا وأمريكا، قد تحولوا إلى استقاء المعلومات من وسائل التواصل الحديثة، ولم يعودوا يثقون في وسائل الإعلام التقليدية، حتى لو حاولت الوصول إليهم عن طريق الإعلام الاجتماعي.
ولذلك، فقد أدت مواقع التواصل دورًا مهمًا في نقل جرائم الحرب على غزة، وخصوصاً أنها تتمتع بحرية أكبر من وسائل الإعلام الرسمية أو حتى الخاصة المملوكة لشركات أو أفراد معنويين يخشون النفوذ الصهيوني القاتل.
تحوُّل تم بتدبير من مالك الملك والملكوت، رغم أنف شياطين المال والنفوذ والتخطيط، كل ما فعله أفذاذ غزة العزة هو أنهم دخلوا عليهم الباب بعد أن أعدوا لهم ما استطاعوا من قوة، وصدق الصادق المصدوق صلى الله علية وسلم إذ يقول فيما رواه مسلم (2654) عن عَبْداللهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ».