بعد دخول الحرب شهراها الرابع، يذهلنا الصمود الفلسطيني المبهر في غزة الأبية، وأمام حرب الإبادة الصهيونية، تتوالى الدروس الإيمانية والعلمية والعسكرية والإستراتيجية والإستراتيجية من «طوفان الأقصى»، لتتعلم الأمة كيفية الأخذ بأسباب القوة، وعوامل النصر، من شعب محاصر منذ عقود.
جانب حيوي ومؤثر في الحرب الدائرة بين المقاومة الفلسطينية، والاحتلال «الإسرائيلي»، للشهر الرابع على التوالي، يتعلق بغنائم الحرب، التي تعد أحد أسباب صمود وانتصار المقاومة، رغم الحصار الذي تتعرض له من الصديق قبل العدو.
نظرة فاحصة على ما حصدته المقاومة، وفي القلب منها «كتائب القسام»، من أسلحة وطائرات مسيرة وصواريخ من الاحتلال الصهيوني، وما أدخلته عليها من تعديلات وفق قواعد الهندسة العكسية، تؤكد أن المقاوم الفلسطيني يسطر ملحمة من الإبداع القتالي في ميدان المعركة، عبر تفكيك سلاح العدو، وتحليل بنيته وطريقة تشغيله، ثم إعادة تصنيع سلاح مشابه أو آخر قد يفوق سلاح الخصم.
منذ العام 2020م، تنفذ «كتائب القسام» مشروع «قصد السبيل»، الذي يقوم على جمع كميات كبيرة من قذائف العدو التي سقطت على قطاع غزة، ثم إعادة تدويرها واستخدامها في صناعة المتفجرات والصواريخ؛ الأمر الذي عزز من المنظومة التسليحية للمقاومة، وزاد من قدراتها القتالية.
وقبل أيام، أظهر مقطع فيديو «كتائب القسام» وهي تفكك طائرة استطلاع «إسرائيلية» من طراز «هيرمز 900» كانت قد تمكنت من إسقاطها بصاروخ مضاد للطائرات شرق مدينة غزة، كما أسقطت «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، طائرة مسيرة «إسرائيلية» من طراز «Sky Racing»، يتم استخدامها في مهام الرصد وجمع المعلومات.
ويقوم سلاح المهندسين في فصائل المقاومة الفلسطينية بتفكيك تلك الطائرات والاطلاع على التكنولوجيا الحديثة التي تحتويها، ولاحقاً إعادة استخدامها في المهام الاستخباراتية والاستطلاع والمراقبة وجمع المعلومات، ومسح مساحات كبيرة، وتحديد الأهداف بدقة عالية.
ومن أبرز نجاحات المقاومة في ذلك المضمار، نجاح «القسام» عام 2019م، في الاستيلاء على أجهزة ومعدات تقنية تحتوي على أسرار كبيرة للاحتلال، كانت بحوزة أهم وحدة «إسرائيلية» خاصة تدعى «سيرت متكال»، كشفتها المقاومة بعد تسللها إلى قطاع غزة.
وقبل أعوام، عثرت المقاومة على ذخائر من سفينة حربية بريطانية من الحرب العالمية الأولى غرقت قبالة شاطئ غزة، وقامت بتفكيكها لاستخدام ما يصلح منها في صناعاتها العسكرية، ضمن إستراتيجية طويلة المدى للاكتفاء الذاتي من السلاح محلي الصنع، وهو الأمر الذي يبرر صمود المجاهدين لأكثر من 90 يوماً، مع توافر كثافة نارية عالية، وقدرة متواصلة على قصف «تل أبيب» وغيرها من مدن العدو بالقذائف والصواريخ.
وفي يونيو الماضي، سيطرت «وحدة حماة الثغور» التابعة لـ«كتائب القسام»، على منطاد لأغراض التجسس (تقدر قيمته بـ600 ألف دولار)، سقط في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، وهو مزود بنظام مراقبة متكامل يحتوي على كاميرات عالية الدقة تلتقط صوراً على مدار الساعة، إضافة إلى تقنيات عالية التطور، اعتبرت غنائم تكنولوجية ومعلوماتية لمهندسي وعلماء المقاومة.
ووفق تكتيكات «القسام»، تبدأ عقب الانتهاء من مرحلة تحليل بيانات المنطاد عملية الهندسة العكسية؛ وتتركز على إعادة تدوير غنائم المنطاد التكنولوجية من كاميرات وأجهزة مراقبة وتسجيل وبث، والعمل على صناعة منطاد مشابه على غرار الطائرات المسيرة.
وإلى جانب ذلك، تشمل غنائم المقاومة قطع سلاح، وبنادق، وأجهزة اتصالات، وأجهزة لاسلكية، وجنازير دبابات، وذخائر، وصواريخ لم تنفجر، والأخيرة جرى إعادة تدويرها، واستخدامها لاحقاً في تفجير 5 دبابات «إسرائيلية» في جباليا شمالي قطاع غزة.
ولا شك أن الكنز المعلوماتي والاستخباراتي الذي توفره تلك الغنائم لا يقدر بثمن، كونه يوفر ميزة إستراتيجية لفصائل المقاومة في صراع العقول والمعلومات، خاصة عنما يبدع الفلسطينيون في توظيف الهندسة العكسية، بما يمكنهم من إعادة تدوير وتوجيه ما غنموه لصالح عملياتهم في ميدان المعركة، التي دخلت شهرها الرابع على التوالي.
هذا الجانب الخفي في «طوفان الأقصى» ربما لم تتكشف أسراره بعد؛ لظروف تكتيكية وأسباب عملياتية وميدانية، لكن المؤكد أن تلك الغنائم علامة نصر للمقاومة، ورافعة قوية لمعنويات مجاهديها، وفوق ذلك كابوس للاحتلال الذي يذوق الألم كل يوم وهو يرى بضاعته قد رُدت إليه لتحصد أرواح جنوده.
تحت شعار «هذه بضاعتكم ردت إليكم»، يمكن القول: إن غنائم المقاومة من الاحتلال تعد أحد أهم مصادر السلاح والذخيرة التي تعين الفصائل الفلسطينية على الصمود، لتجعل من غزة مقبرة للغزاة.