صرحت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في 6 ديسمبر 2023م، بأنها تعمل على إنشاء قوة بحرية متعددة الجنسيات لصد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وأثناء جولة له في الشرق الأوسط، أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في 18 ديسمبر 2023م، في البحرين عن تشكيل تحالف دولي للغرض نفسه.
ينضوي التحالف الجديد -الذي أُطلق عليه «حارس الازدهار»- تحت مظلة «القوات البحرية المشتركة» المتعددة الجنسيات، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، و«القوة 153» التابعة لها، التي تعمل في مجال مكافحة النشاطات غير المشروعة في البحر الأحمر والقرصنة وتجارة المخدرات، وتأمين حرية الملاحة! كما أعلنت الولايات المتحدة أن هذا التحالف يحمي من ناحية أخرى تدفق التجارة الحر!
وقبيل فجر الجمعة 12 يناير 2024م، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بمشاركة بريطانية بضرب بعض الأهداف داخل الأراضي اليمنية وصفتها بأنها عملية دفاعية.
والجدير بالذكر أن الحوثيين أعلنوا، في 19 نوفمبر 2023م، استهدافهم للسفن المتوجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة دعمًا للاحتلال أو تلك السفن المملوكة لأي شخص يحمل الجنسية «الإسرائيلية»، وذلك حتى يقف العدوان على قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية عبر المعار دون قيد أو شرط، وقام الحوثيون بالاستيلاء على إحدى السفن وضرب سفن أخرى مملوكة لـ«إسرائيليين» أو متوجهة إلى الكيان الصهيوني المحتل، وفي ذات الوقت أعلنوا تأمين كافة السفن المتجهة إلى أي مناطق أخرى في العالم غير الموانئ الفلسطينية المحتلة.
هل حقاً أمريكا «حارسة الازدهار»؟!
اختار صناع المفاهيم في أمريكا إطلاق مفهوم «حارس الازدهار» على الحلف العسكري الموجود أصلًا في البحر الأحمر ضمن القواعد الأمريكية المنتشرة في العالم، التي تقوم بحسب الخبراء الإستراتيجيين بدور الردع! وربما التهديد المعلن للخارجين على النظام الرأسمالي الغربي الأمريكي.
والسؤال الذي يجب طرحه من قبل المفكر المسؤول سواء كان هذا المفكر يعيش في المنطقة العربية أو العالم، السؤال الواجب هو: هل أمريكا حقاً حارسة الازدهار؟ ومن أصحاب هذا الازدهار؟ ومن يجنون ثماره؟ وما تداعياته وتكلفته على البشر (غير الغربيين وغير الأمريكيين)؟
الكيان الصهيوني وحراسة الرأسمالية
من الضروري عند تفكيك مفهوم «حارس الازدهار» الذي أعلنته حارسة النظام الرأسمالي الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها الأكبر بريطانيا، النظر في ارتباط نشأة الكيان الصهيوني بالنظام الرأسمالي الاستعماري الاستغلالي، فالمنظمة الصهيونية العالمية التي تأسست تحالفت مع الإمبريالية الاستعمارية العالمية التي قادتها بريطانيا، وكان من نتائج هذا التحالف «وعد بلفور» عام 1917م الذي يعطي لليهود عبر العالم مكاناً للعيش وتكوين كيان له تواجد دولي، هذا المكان هو أرض فلسطين المحتلة، وتوافق ذلك مع رغبة الاستعمار في إيجاد حارس لمصالحه في منطقة الشرق.
إن غاية الاستعمار العالمي آنذاك من هذا تحقيق أو غرس هذا الكيان في المنطقة العربية في الشرق هو إيجاد كيان لذلك، لا عجب أن وجدنا التحالف الكبير بين بريطانيا والكيان الصهيوني، ثم التحالف الأكبر مع أمريكا في عصر الاستعمار الرأسمالي الجديد للعالم، من خلال بناء مفاهيم: «التنمية»؛ بمعنى استغلال الثروات الخام للأمم والشعوب، ثم «النمو»؛ بمعنى زيادة إنتاج الشركات متعدية الجنسيات في بلدان العالم التي لا تملك نفس الأدوات أو التكنولوجيا، ثم مفهوم «السوق»؛ بمعنى الترويج للمنتجات عالميًا وسهولة وصولها إلى سكان العالم في أسرع وقت في ضوء التنميط السلوك الاستهلاكي العالمي لتلك المنتجات، بحيث يتم الاعتياد عليها والحاجة الدائمة إليها واختراق الأسواق المحلية في ظل عدم القدرة على منافسة المنتجات المحلية، ثم التحكم في السوق العالمية وتحديد أنماط وأشكال الاستهلاك، بما يحقق فائضاً في نمو رأس المال للشركات المتعدية الجنسيات الرأسمالية، والتحكم في الأسعار وحركة التجارة كلها، ومن ثم أضحت فكرتا «قصور الاستهلاك»، و«تراجع الإنتاج» ضمن أهم الأفكار المعادية للنظام الرأسمالي الذي ترعاه الولايات المتحدة في عالم اليوم وربائبها في أوروبا الغربية، وتعتبر أمريكا نفسها راعية «رأس المال العالمي»؛ لأنها تحقق من ورائه الفوائض غير المسبوقة والنمو الدائم لرأس المال عن طريق الاستغلال لشعوب العالم والاحتكار اللامتناهي للموارد الطبيعية حول العالم.
عولمة النظام الرأسمالي
اتجه النظام الرأسمالي منذ بداية التسعينيات إلى ترويج فكرة الانتقال الحر لرأسمال والإنتاج ضمن ما سمي في تلك الفترة «النظام العالمي الجديد» بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي وانهيار النظام الاشتراكي لا سيما في أوروبا الشرقية وضعف تأثيراته العالمية، في هذه الأثناء برز النظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكا الغرب مدعمًا بالصهيونية العالمية بتدشين مرحلة اقتصادية جديدة ونوعية للعالم، وبالتالي اتجاه الاقتصاد العالمي في هذا النظام الجديد إلى سيادة رأسمالية تحميها أيديولوجية ليبرالية منظمة لأممية الحالة الرأسمالية الجديدة.
شركات الاستغلال والاحتكار
تعد الشركات متعدية الجنسية أو العابرة للقوميات هي الأداة الرئيسة للعولمة الرأسمالية، فبواسطتها تتم عملية تدويل، أو الأصح عولمة رؤوس الأموال والإنتاج والتصريف ومجمل العمليات المالية والتجارية، وبذلك فإن الشركات متعدية الجنسية التي يتربع على عرشها كهان الأممية المالية تمثل النواة الصلبة للرأسمالية العالمية، فحوالي 37 ألفاً من هذه الشركات مع فروعها 170 ألفاً المنتشرة في جميع أرجاء المعمورة هي الماسكة منذ مطلع التسعينيات بتلابيب الاقتصاد العالمي، فملياراتها العابرة للقارات بسرعة الضوء تحدد أسعار الصرف الأجنبي، وكذلك القوة الشرائية لهذا البلد أو ذلك، ولعملته إزاء بقية عملات العالم، وهي موزعة جغرافياً بين البلدان التالية: اليابان (62 شركة)، الولايات المتحدة الأمريكية (53)، ألمانيا (23)، فرنسا (19)، بريطانيا (11)، سويسرا (8)، كوريا الجنوبية (6)، إيطاليا (5)، هولندا (4).
ازدهار الرأسمالية المتوحشة
يمكن تلخيص أهداف عمل تلك الشركات متعدية الجنسية أو العابرة للقوميات التي تخترق الهويات والاقتصادات المحلية والوطنية وتعمل على تخريبها في أنها تسعى وراء الربحية أولًا وأخيرًا، ولا تعنيها مصلحة اقتصاد البلد الذي تعمل فيه ومتطلبات نموه، إذ إن تموضع الإنتاج لا يعرف وطنًا أو انتماء، فهذه الشركات تعمل وفق مبدأ المنافسة؛ أي أنها تسعى للحصول على إنتاج جيد، بجودة عالية، وسعر أقل، ويد عاملة أرخص، واستثمارات أقل تكلفة، وإذا وجدت هذه الشركات أن مصالحها لم تعد في هذا المكان من العالم، بل في مكان آخر، فإنها تنقل استثماراتها إلى المكان الأكثر ربحية، وتؤدي هذه الشركات في ظل عولمة الرأسمالية إلى تهميش دور الحكومات في إدارة الاقتصاد الوطني والتحكم بآلياته وصولًا إلى تعطيل دورها في مراقبة حركة رؤوس الأموال أو التأثير فيها أو في أوضاع السوق وحركة السلع.
كما تقوم الرأسمالية المتوحشة تحت رعاية الصهيونية الغربية والأمريكية على احتكار التكنولوجيا الجديدة، واحتكار التحكم في التدفق المالي على مستوى العالم، واحتكار التحكم في النفاذ إلى الموارد الطبيعية للكواكب، واحتكار التحكم في وسائل الاتصال والإعلام، واحتكار أسلحة الدمار الشامل(1).
أخطبوط الاقتصاد العالمي
إن عملية «حارس الازدهار» التي أعلنت عنها أمريكا وبريطانيا، إنما جاءت لحراسة الاستعمار الغربي والأمريكي لمناطق الثروات والأيدي العاملة الرخيصة والأسواق الاستهلاكية ومنابع البترول التي تهيمن على حقوق اكتشافها واستخراج الوقود والعناصر الأخرى التي تشغل بها مصانعها؛ لزيادة الإنتاج الغربي، وتحقيق النمو الحرام لرأس المال الذي نتج عن استغلال العالم وثرواته، في ظل تنامي حالات الحرمان من الغذاء عبر العالم التي وصلت بحسب منظمة «الفاو» في عام 2009م إلى 1.02 مليار إنسان عبر العالم، وهو حصاد سياسات الرأسمالية الأخطبوطية المتوحشة، بإضافة إلى تدمير البيئة وحرمان الأجيال القادمة من كثير من حقوقها وثرواتها المستقبلية، وفي سبيل ذلك تقاتل عسكريًا كل من يقف في وجه تلك السياسات أو يعوق مسيرتها.
__________________________
(1) سمير أمين: الرأسمالية الإمبريالية، العولمة، ندوة الآثار الاقتصادية للعولمة في العالم الثالث وأوروبا الغربية، ص 110.