في السابع والعشرين من أكتوبر الماضي، نشرت وسائل الإعلام العبرية خبرًا مهمًا مفاده أن يحيى السنوار قد التقى بعدد من الأسرى «الإسرائيليين» داخل أحد الأنفاق في غزة، وتحدث معهم باللغة العبرية، وطمأنهم على مصيرهم.
يحمل هذا الخبر دلالة قوية على مدى أهمية الأسرى «الإسرائيليين» المحتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، من جانب، فيما يمثل إتقان السنوار للعبرية جانباً آخر مهماً، ويتعلق بمدى استفادة الأسرى الفلسطينيين من السجون الصهيونية، وكيف يُحسِن هؤلاء الأسرى استغلال وقتهم بما ينفعهم ويصب لصالح تلك المقاومة؟
ثورة علمية وطاقة ثورية
ورغم المضايقات الصهيونية المستمرة والظروف القاسية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، فإن بعضهم نجح في تحويل جدران السجون إلى ثورة علمية وفكرية وطاقة ثورية، وأضحت تلك السجون مقرًّا للانتفاضة التعليمية والتثقيف الذاتي والجماعي، بل الاستفادة من ظلمة السجون وتحويلها إلى أشعة وشموس أنارت بدورها الساحة الفلسطينية، وهو ما تمخض في عملية «طوفان الأقصى».
قادة «حماس» نجحوا في تحويل السجون الصهيونية إلى مشاعل نور أضاءت القضية الفلسطينية
نجح قادة «حماس» في تحويل السجون الصهيونية إلى مشاعل نور أضاءت بدورها القضية الفلسطينية، وأيقظت المجتمع الدولي من سباته، فجر السابع من أكتوبر الماضي، حينما تمكَّن «القساميون» من اختراق أجهزة الاستخبارات الصهيونية واقتحام مستوطنات غلاف غزة، وأسر المئات من «الإسرائيليين»، على رأسهم قادة عسكريون بارزون، والخروج دون استشهاد بعضهم؛ في لحظات تعود للماضي البعيد حينما جعل الأسرى الفلسطينيون من سجونهم جامعات فكرية وكليات عسكرية ومدنية، استندوا خلالها إلى حفظهم للقرآن الكريم، فأصبحوا حفظة لكتاب الله، وتعلمهم للقراءة والتفنن في فهم قواعد إستراتيجيات الحرب، وكيفية التعامل مع الكيان الصهيوني.
تطبيق عملي للثورة داخل السجون
تخرَّج آلاف الفلسطينيين من تلك السجون بعدما ضحُّوا بالغالي والنفيس وحوَّلوا الغرف المظلمة إلى أنوار سطعت أضواؤها في سماء الداخل الفلسطيني المحتل خلال «طوفان الأقصى»، ومنهم وعلى رأسهم السنوار، حينما تعلم وأتقن عدة لغات، أهمها اللغة العبرية داخل تلك السجون، ليخرج منها مستفيدًا ومستلهمًا القوة والعزة من حركات المقاومة ليطبق ذلك على أرض الواقع في العملية التي أعلنتها «حماس»، وهي العملية العسكرية التي تستحق أن يتم تدريسها في كليات العلوم العسكرية حول العالم.
وعاد اسم السنوار إلى الواجهة «الإسرائيلية»، وبقوة، مع السابع من أكتوبر، وبدء عملية «طوفان الأقصى» بعدما وُصِف بأنه «العقل المدبر» لهجوم «حماس» المفاجئ على مستوطنات غلاف غزة، حيث اعتبر معلقون عسكريون «إسرائيليون» أن السنوات الطويلة التي قضاها قائد «حماس» في القطاع بالسجون «الإسرائيلية»، جعلت منه قائدًا عسكريًّا محنكًا يعلم كل شيء عن العدو «الإسرائيلي»، خاصة مع متابعته المستمرة لوسائل الإعلام العبرية كافة، بل كان مدمنًا على متابعتها، بعدما أتقن تلك اللغة خلال العقدين الكاملين التي قضاها بالسجون الصهيونية.
إملاء شروط المقاومة الفلسطينية
في أعقاب خروجه من السجن في صفقة الأسير الصهيوني جلعاد شاليط، في العام 2011م، انتخب قائدًا في غزة عام 2017م، ليصبح الجسر الأول بين القيادة السياسية والجناح العسكري داخل حركة «حماس»، خاصة أنه أحد المساهمين الأساسيين في تدشين «كتائب عز الدين القسام»، فيما أصبح المفكر والعقل المدبر لعملية «طوفان الأقصى»، بعد دعوته إلى القيام بعملية عسكرية واسعة مع الكيان الصهيوني تملي فيها «حماس» شروطها وتغيَّر من قواعد الاشتباك في الساحة الفلسطينية.
«إسرائيليون» اعتبروا السنوات التي قضاها السنوار بسجون الاحتلال جعلت منه قائداً عسكرياً محنكاً
وهو ما دفع بحكومة نتنياهو إلى نشر إعلان في الرابع عشر من ديسمبر الماضي لتحريض الأهالي الفلسطينيين في القطاع على تقديم مكافأة مالية تقدر بـ400 ألف دولار، لمن يدلي بمعلومات عن يحيى السنوار.
أضحى السنوار الشخصية الأولى على رأس قائمة الاغتيالات أو المستهدفين من قبل الكيان الصهيوني، حيث يقرن اسمه، دومًا، بأي صفقات لتبادل الأسرى مع حكومة الاحتلال، التي يرفض أغلبها، لكونه شخصًا مقاومًا يرفض التنازل عن السلاح مقابل أغصان الزيتون، وهي نقطة الخلاف التي تظهر بين وقت وآخر داخل حركة «حماس»، الداخل والخارج، إذ يرى قياديو الخارج أنه بالإمكان حمل أغصان الزيتون، والدخول في صفقة تبادل مع الاحتلال «الإسرائيلي»، فيما يؤمن السنوار باستكمال الحرب حتى تلبية كل مطالب المقاومة الفلسطينية المشروعة، وعلى رأسها وقف الحرب، وخروج الجيش الصهيوني من غزة، بل وتبييض سجون الاحتلال من الأسرى الفلسطينيين.