على الرغم من أن توفير التعليم الجيد الشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم بشكل مستدام على رأس أهداف التنمية وفق خطة التنمية المستدامة لعام 2030م التي اعتمدت من رؤساء الحكومات والدول حول العالم في سبتمبر 2015م، فإن هذا الحق بقي عرضة للاستهداف المقصود في المناطق التي تشهد حروباً ونزاعات وعلى رأسها الأراضي الفلسطينية، وفي القلب منها غزة.
وقد أصبح التعليم في قطاع غزة إحدى ضحايا الحروب التي يشنها الكيان الغاصب للشهر الرابع على التوالي، مسببة دماراً هائلاً في المدارس والمنشآت التعليمية، ومنعت آلاف الطلاب من تحصيل دروسهم، حيث كانت المدارس في القطاع تستوعب ما يقرب من 625 ألف طالب في سن الدراسة قبل حرب «طوفان الأقصى»، 7 أكتوبر الماضي.
نظرة تاريخية
كان قطاع غزة إبان الحكم العثماني تابعاً للقدس، وقد حرص العثمانيون على بناء سلسلة مدارس «الرشدية» في عدد من المدن العربية لتكون بديلاً عن الكتاتيب، فهناك مدرسة الرشدية في بغداد، وهناك مدرسة الرشدية في الكرك الأردنية، وهناك رشدية غزة؛ وإلى جانب هذه المدرسة الحكومية كانت هناك مدارس بعموم فلسطين تعرف بمدارس الطوائف لكي تتمكن كل طائفة دينية من تعليم أطفالها، إلى جانب بعض المدارس الخاصة والأجنبية، غير أن تلك المدارس لم تضم إلا نسبة ضئيلة من الطلاب.
وقد ظلت غزة لقرون تابعة للإمبراطورية العثمانية قبل أن تخضع للاحتلال البريطاني، وتحديداً من عام 1918 إلى عام 1948م، وفي فترة وجود المحتل البريطاني تم توسعة مدرسة هاشم بن عبد مناف، وقد وصل عدد طلابها في عام 1948م إلى 566 طالباً يقوم على تعليمهم 13 معلماً.
وإلى جانب تلك المدرسة، كانت هناك مدرسة الإمام الشافعي التي أصبحت ثانوية كاملة عام 1947م، إضافة إلى بعض المدارس الأخرى ومنها مدرسة الزيتون، ومدرسة الشجاعية، ومدرسة بنات غزة التي تعود لعائلة رضوان الذين حكموا غزة خلال فترة الخلافة العثمانية، غير أن الاحتلال البريطاني أضاف إليها أقساماً جديدة.
وبخلاف المدارس الحكومية، كانت هناك بعض المدارس الخاصة، منها مدرسة ثانوية عرفت باسم كلية غزة، ومدرسة الفلاح الإسلامية، علاوة على بعض المدارس الأخرى في القرى التابعة لغزة وعلى رأسها مدرسة بيت جرجا، ونعلين، ودير سنيد، والمحرقة وخزاعة، وكان القرويون هم الذين ينفقون على هذه المدارس بدءاً من البناء وانتهاء بصرف الرواتب للمعلمين.
إدارة مصرية
بعد عام 1948م، أصبحت غزة تحت سيطرة الإدارة المصرية حتى عام 1967م، وخلال هذه الفترة مر التعليم في قطاع غزة بحزمة من التطورات، حيث زاد عدد الطلاب نتيجة لتوافد مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين من داخل العمق الفلسطيني إلى قطاع غزة نتيجة طرد اليهود لهم من أراضيهم، وقد قامت الحكومة المصرية في ذلك الوقت بجهد كبير، بالإضافة للمنظمات الدولية في إغاثة هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين وتعليمهم.
ووفق «وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية» (وفا)، استطاعت الإدارة المصرية بالتعاون مع وكالة الغوث الدولية تعزيز شمولية التعليم العام؛ حيث ارتفعت نسبة الطلبة لمجموع السكان من حوالي 6.4% في عام 1948 إلى 21.6% في عام 1967م.
كما نجحت الإدارة المصرية في تهيئة المدارس الثانوية لكل راغب في التعليم، وربط مناهج التعليم باحتياجات سوق العمل، وكان التعليم خلال هذه الفترة بالمجان، وكانت الكتب توزع بالمجان سواء على المدارس التابعة للحكومة المصرية أو حتى التابعة لوكالة الغوث الدولية، وكانت المناهج المقررة مصرية في جميع المراحل التعليمية، مع بعض التعديلات البسيطة في مادتي التاريخ والجغرافيا في المدارس التابعة للإدارة المصرية والمدارس التابعة لوكالة الغوث الدولية.
كما ارتفعت في تلك الفترة نسب تعليم الفتيات، حيث وصلت نسبتهن في عام 1967م حوالي 48%؛ بينما كانت هذه النسبة في عام 1948م حوالي 18%.
وعلى صعيد التعليم العالي، فلم يشهد قطاع غزة وجود جامعات، بل اقتصر وقتها على مراحل التعليم العام المختلفة إلى جانب معهد لإعداد المعلمين، غير أن الدولة المصرية فتحت أبواب جامعاتها ومعاهدها إلى الطلبة الراغبين لاستكمال تعليمهم وكانت الدراسة بالمجان أيضاً.
عدد المنشآت
بلغ عدد المدارس في العام الدراسي 2022/ 2023م، في قطاع غزة 796 مدرسة، منها 442 مدرسة حكومية، و284 مدرسة تابعة لوكالة الغوث، و70 مدرسة خاصة.
ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد الجامعات التقليدية في قطاع غزة وصل إلى 6 جامعات، بينما وصل عدد الكليات الجامعية إلى 5 كليات، ويقدر عدد كليات المجتمع المتوسطة بـ6 كليات، بالإضافة إلى جامعة القدس المفتوحة التي تملك 5 مراكز في قطاع غزة، ومن أهم هذه الجامعات جامعة الأزهر، جامعة الأقصى، والجامعة الإسلامية.
وبسبب نقص التمويل، ظلت تلك المدارس والكليات تعمل لسنوات فوق طاقتها، حيث إن 63% من المدارس منها تعمل بنظام الفترتين، ويستضيف المبنى الواحد مدرسة وطلابها في الفترة الصباحية، ومدرسة أخرى بطلاب مختلفين في الفترة المسائية، بينما تعمل 7% منها بنظام 3 فترات.
ماذا بقي؟
كثير من المدارس والمنشآت التعليمية بقطاع غزة تضررت، وبعض الجامعات تساوت بالأرض، وما بقي منها استخدم أهل القطاع الذين تهدمت بيوتهم أثاثها الخشبي من الكراسي والمقاعد الخشبية في التدفئة وطهي الطعام لعدم توفر الغاز.
ووفق بيانات حكومية، فإن جيش الاحتلال «الإسرائيلي» قتل 4368 طالباً وطالبة، بينما أصيب 8101 بجروح، واستشهد 231 معلماً وإدارياً، وأصيب 761 بجروح، وقصف 388 مدرسة، في غزة والضفة، منذ 7 أكتوبر الماضي، حسبما أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية.
لقد كان القطاع التعليمي في غزة قبل اندلاع الحرب الهمجية يشهد نقصاً كبيراً في المنشآت التعليمية والمعدات وأعداد المعلمين، وربما كانت هناك إمكانية ولو ضئيلة لتعويض هذا النقص في الماديات من مبان وأثاث، غير أنه من المستحيل إعادة مئات المعلمين الذين فقدوا حياتهم، وآلاف الطلاب الذين ماتوا تحت الأنقاض وفي الفصول التعليمية التي حولتها «الأونروا» إلى مواقع إيواء، وهدمها الاحتلال فوق رؤوس القابعين فيها تحت مرأى ومسمع من العالم.