في خضم غرابة بعض المواقف الغربية والعالمية مما يجري من تدمير شامل لقطاع غزة، تأتي بعض الأصوات الأخلاقية غير الوجلة من أمثال الزميل د. كينيث روث، المدير التنفيذي السابق لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» (HRW) (1993 – 2022م)، الأستاذ الزائر حالياً في جامعة برنستون، ليخفف من أوجاع وأنين من يراقب ما يجري بدموعه قبل عيونه.
منذ بدء العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة، عقب هجوم «حماس» في عملية «طوفان الأقصى»، نشط روث وبشكل كبير –وهو ما ليس بغريب عليه- في التعليق على مجريات الأحداث في «إكس» عبر حسابه «@KenRoth»، وهو ما يستحق التعليق في هذا المقال وعرض أهم ما ورد فيه:
أولاً: أن أصل المشكلة هو السياسة «الإسرائيلية» في عهد نتنياهو، التي اتسمت بالغطرسة داخل الأرض المحتلة، وأمعنت في تهميش الفلسطينيين وإذلالهم بمصادرة الأراضي وضمها وفرض الحصار، وإقامة جدار الفصل العنصري، وخارجياً بتجاهل حقوق الفلسطينيين، والتركيز على التطبيع مع الدول العربية.
ثانياً: انتقاد تحيز الولايات المتحدة لـ«إسرائيل»، حين تكتفي بإطلاق يد «إسرائيل» دون أي قيود بينما تصف عمليات «حماس» بالإرهاب، عوضاً عن الضغط على «إسرائيل» لتطبيق القانون الدولي الإنساني الذي يعتبر استهداف المدنيين جريمة حرب، ويرى روث أن الدعم الأمريكي المطلق لـ«إسرائيل» سيكون له رد فعل قوي في العالم العربي.
ثالثاً: إن ما فعلته «حماس» لا يبرر لـ«إسرائيل» ما تقوم به، من استهداف للمدنيين، وتشريدهم حتى ولو بعد تحذيرهم، وتدمير للبنى التحتية، المساكن والمستشفيات وحتى قتل العاملين في الحقل الإنساني، التي اعتبرها روث عقاباً جماعياً لسكان القطاع.
رابعاً: التأكيد على أن «إسرائيل» ملزمة بحماية المدنيين، وأن سلوكها سيفقدها أي ميزة أخلاقية، مشبهاً هجوم «حماس» بـ11 سبتمبر، حيث قال: «إذا كانت هذه هي لحظة «11 سبتمبر» بالنسبة لـ«إسرائيل»، فيتعين عليها أن تتعلم من تجربة الولايات المتحدة عندما فقد بوش الأرضية الأخلاقية الرفيعة بانتهاكه المعايير الدولية لحقوق الإنسان؛ تعذيبه واعتقاله الذي لا نهاية له في غوانتانامو، ويجب على «إسرائيل» توفير أقصى قدر من الحماية لحياة المدنيين».
خامساً: إن ما تفعله «إسرائيل» كانتقام من عمليات «حماس» سيزيد من شعبية الأخيرة في العالم العربي، وأنها حتى لو اجتاحت القطاع برياً فإنها ستورط نفسها، ولن تجني شيئاً على المدى البعيد.
وفي مقابلة شخصية وإعلامية، جمعتني به قبل أيام، ونشرت مؤخراً في موقع «الجزيرة نت»، «كينيث روث: حصار غزة عقوبة جماعية وتحول في مواقف يهود أمريكا تجاه تطرف إسرائيل» (أخبار، «الجزيرة نت»/ aljazeera.net)، أكد روث ضرورة فتح جميع المعابر مع قطاع غزة، ورفع الحصار نهائياً باعتباره عقوبة جماعية للسكان، وانتقد خضوع بعض رؤساء الجامعات في الولايات المتحدة لتأثير المانحين لتحجيم حرية الأكاديميين والطلاب في انتقاد «إسرائيل»، وهو الأمر الذي عانى منه شخصياً.
وعن دور الأمم المتحدة، رأى أنها المكان الذي تجتمع فيه حكومات العالم التي من الممكن أن يكون لها تأثير أكبر بكثير على ما يحدث في غزة كحال الولايات المتحدة الداعمة لـ«إسرائيل».
وتفاءل بدور المحكمة الجنائية الدولية في عقاب المسؤولين «الإسرائيليين»، ورغم تأكيده أن معظم اليهود الأمريكيين لا يدعمون حكومة نتنياهو المتطرفة، فإنه عبر عن قلقه إزاء إساءة استخدام تهمة معاداة السامية في محاولة لإسكات الانتقادات الموجهة إلى الحكومة «الإسرائيلية»، التي يرى أنها قد فقدت كثيراً من الدعم الشعبي الأمريكي التقليدي بسبب الخسائر الفادحة التي ألحقتها بالمدنيين الفلسطينيين في غزة أثناء الحصار والقصف، وشدد على أنه كان على بعض الدول العربية، الساعية الى التطبيع، استخدام نفوذها لتأمين تغييرات حقيقية نحو الأفضل للفلسطينيين.
وختاماً، فهو يرى أن حل الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» سيكون إما بالاعتراف بدولة واحدة بحقوق متساوية لجميع السكان، أو حل الدولتين المستقلتين الذي يتضمن تفكيك معظم أو كل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة!
أما وقد عايشت ردود الفعل وأصوات التعاطف مع «إسرائيل» في بداية الأزمة، ثم صمتها بشكل غريب أمام غطرسة «إسرائيل»، فكم نحن بحاجة إلى مختلف الأصوات لوقف هذه المهزلة والعدوان على الشعب الفلسطيني، ومنهم د. روث، الذي تتيح له مكانته العلمية والأخلاقية أن يتحدث إلى المجتمع والإعلام الغربي بصورة أفضل مما يمكن أن يفعله غيره!