عثمان الثويني
افترق الفرقاء بعد أن جمعتهم مصلحة السعي نحو شيطنة الحراك الإسلامي في الجانب السياسي والنقابي خلال النصف الأخير من القرن الماضي إلى يومنا الحالي، وهذه الفرقة كانت جلية عندما أرادوا أن يوصّفوا رداءهم الجديد الذي سيخرجون به للمجتمع من جديد، فلا شك أن صوت القومية ونجمها قد بدأ بالأفول منذ عقود بعيدة، والتيار اليساري وبعد خسارته الاتحادات والنقابات خلال فترة زمنية سريعة بدأ العديد يقفز من سفينته نحو سفينة أخرى حتى وإن كان قبطانها غير معلوم، والمجاميع الليبرالية لم تكن ممنهجة ومرتبة بما فيه الكفاية حتى تملأ الفراغ وتستوعب هؤلاء الفرقاء وتنهض بهم من جديد نحو مصلحة جديدة.
الفوضى الفكرية لخصوم الأحزاب السياسية الإسلامية التي حصلت نتيجة صدمة قبول المجتمعات للإسلاميين والتعاطي معهم ما إن حضرت ممارسات انتخابية نزيهة كانت جلية في رفضهم لخيارات تلك الشعوب ورفضها لأنها لم تأت على الهوى، والحقيقة أن المسألة في رمتها تكمن في عدم القدرة على تقبل فشل الخطط والميزانيات والتحالفات التي تم الضخ بها لسنوات طويلة من أجل تحقيق القطيعة بين الشعوب والتيارات الإسلامية، فلم يكن أمام الخصوم وخصوصاً هؤلاء الذين يتغنون بالديمقراطية إلا أن يعاكسوا أدبيات منظري فكرهم ويقروا بأنهم قد دخلوا مرحلة القطيعة المعرفية بعد الفوضى الفكرية.
الشيطنة للتيار الإسلامي للأمانة أصبحت من المغريات التي يسيل لها اللعاب في هذه الفترة على وجه التحديد، فكل عوامل تصديقها متوافرة سواء كانت إجراءات قد تمت واتخذت في مناطق ودول أخرى، أو توفر حاضنة إعلامية مدعومة وممنهجة لكل من يمارس أحد أدوارها المحددة لها، فلا غرابة إن رأينا من كان خاضعاً للتنويم السريري الإجباري أن يخفف عنه المخدر بشكل دوري لكي ينهض ويمارس شيطنته ثم يعود للتنويم مرة أخرى، ولكن وبسبب تلك الأعراض الجانبية للتخدير التي يعيها الأطباء بشكل أدق يبدأ الإنسان بخلط التواريخ والأسماء والانتماءات والجغرافية ببعضها بعضاً، وتظهر عليه مؤشرات العدوانية والتوجس والريبة من تحقق ما رآه من كوابيس أثناء تنويمه، والمتتبع لتصريحات أو مداخلات من يمارسون دور الشيطنة سيرى الأوصاف السابقة حاضرة وجلية بشدة.
الحقيقة التي لا يود أن يقر بها خصوم الحركات الإسلامية ذات الطابع الحركي في أنشطتها الإصلاحية أن المخزون التاريخي لتلك الحركات مشرف من حيث المبادئ والتطبيقات، وقطعاً هذا لا ينفي أن هناك ممارسات قد تمت وجانبها الصواب، ولكن لإدراك الخصوم بأنها حالات فردية لا يمكن تعميمها فهم في حيرة حين يتم استحضار التاريخ كورقة في النقاشات والمساجلات، فكانت الحلول القليلة التي بأيديهم إما أن يستحضروا بعض المواقف من الغزو العراقي للكويت، أو العك ثم إعادة العك في ملف الاختلاط، وفي أحيان كثيرة يستخدمون الحفلات والترفيه وموقف الإسلاميين منها كورقة شعبية ضاغطة رغم مغرفتهم المسبقة بأن تلك الموضوعات قد أشبعت حديثاُ ونقاشاً وحجة مدعمة بالحقائق، ولكن وبعد محاولات كثيرة فإن أفضل حل قد استقروا عليه هو ركوب أي موجة إعلامية فيها بصيص أمل من التخويف للمجتمع وتهديد أمنه واستقراره ورخائه وإلصاقه بـ«الإخوان» على وجه التحديد لعل الموجة تحدث تأثيرها، ويشهد الله أن الشفقة هي الشعور الأكبر تجاه هؤلاء لقلة حيلتهم واتكائهم على أساليب وحجج ركيكة من حيث المعنى والمبنى، وللعلم فإن أي حركة إصلاحية تتمنى من خصومها أن يكونوا حاضرين من الناحية الفكرية والمنهجية من أجل إثراء المجتمع بحراك ثقافي حضاري نوعي.