يتساءل البعض إذا وقع فيما أوجب عليه كفارة صيام شهرين متتابعين عن الفطر بالجماع في نهار رمضان فما حكم قطع هذا التتابع بعيد الأضحى، وأيام التشريق؟ أم أنه يجب عليه صوم هذه الأيام حتى لا ينقطع التتابع؟
هذه مسألة بحثها العلماء قديماً ورأوا أن من كان عليه صيام شهرين متتابعين فإنه لا يجوز له أن يصوم الأيام التي حرَّم الشرع صيامها كيومي العيدين، وإذا كان الأمر كذلك فإن توقف الصائم عن الصيام هو بأمر الله تعالى، ومثل يومي العيد في تحريم صومهما أيام التشريق، فإنه لم يرخّص في صيامها إلا لمن لم يجد الهدي.
روى البخاري (1998) عن عائشة رضي الله عنها، وابن عمر رضي الله عنه قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي»، وروى الإمام أحمد (1459) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام منى: «إنها أيام أكل وشرب، فلا صوم فيها»؛ يعني أيام التشريق، وروى مسلم (1141) عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله»، وروى الإمام أحمد (16081) عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه رأى رجلاً على جمل يتبع رحال الناس بمنى، ونبي الله صلى الله عليه وسلم شاهد، والرجل يقول: «لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب» (صححه الألباني في صحيح الجامع (7355)).
وبناء على هذا، فالمطلوب مواصلة الصيام بعد أيام التشريق مباشرة، وإتمام ما تبقى من الشهرين ولا ينقطع تتابع الأيام بذلك.
ضوابط تحقّق التتابع في صيام الشهرين
بحث أهل العلم الشروط والمحدّدات التي يتحقّق بها تتابع الصيام، واتّفقوا على مُجملها وكثير من تفصيلاتها، وبيان آرائهم فيما يأتي(1):
– الحنفية: ذهبوا إلى أنّ التتابُع يتحقّق بصيام شهرين متتابعين لا يكون منهما شهر رمضان، وأيّام عيد الفطر، والأضحى، وإن جامع الرجل زوجته خلال الشهرَين في صيام الظّهار خلال الليل عامداً، أو خلال النهار ناسياً، فعليه أن يبدأ بصيام شهرين مكانهما، لقوله تعالى: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) (المجادلة: 3)، في حين اتّفق الحنفيّة على أنّه لا عذر بقطع الصيام سوى الحيض، أو النفاس، أو السفر، أو نحوها، وإذا أفطر بغير عذر، فلا بُدّ له من الإعادة من جديد.
– المالكية: ذهبوا إلى ما ذهب إليه الحنفية، وزادوا عليه أنّ الفطر في السفر للضرورة لا يُقطَع به التتابُع، وفي حالة جهله بإتيان العيد خلال فترة صومه، أو جهل مجيء رمضان؛ فإنّه يكمل الصوم بعد انقضائهما، ولا ينقطع عندهم التتابُع بالمرض، وبالفطر من غير عمد، أو إكراه على الفطر، أو الحيض والنفاس.
– الشافعية: يرون أنّ التتابُع ينقطع بالإفطار ولو يوماً واحداً بلا عُذر، أو بعذر كمرض، ولا ينقطع عندهم في حالة الحيض، أو النفاس، أو الجنون، أو جماع الزوجة في ليالي الصوم؛ قياساً على رمضان.
– الحنابلة: يرون أنّ التتابُع لا ينقطع إلّا في حالة الإفطار بلا عذر، أو صيام شهر رمضان، أو في حالة الفطر الواجب، كأيّام العيد، أو في حالتَي الحيض والنفاس، أو الحمل والرضاع، وينقطع التتابُع عندهم بالفطر بلا عذر، أو في حالة الجهل، أو نسيان وجوب التتابُع، أو ظنّ إتمام الصيام، أو الصيام خلال الشهرَين صيام تطوُّع، أو نَذر.
____________________________
(1) الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، دمشق: دار الفكر، صفحة 7152-7154، جزء 9، بتصرّف.