لا أحد معصوم من الوقوع في الذنوب والوقوع في الخطأ سواء كان عمداً أو سهواً أو تقصيراً، وقد شرع الله عز وجل التوبة والإنابة لمعرفته تعالى بطبيعة خلقه التي تتسم بالنسيان والضعف في بعض الأحيان، فشرع التوبة، وجعل لنفسه المغفرة وتكفير الذنوب والعفو عن المستغفر فيقول الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى: 25)، والمغفرة إنما تكون للتائبين النادمين.
ومن رحمة الله تعالى بالإنسان أن شرع له أعمالاً تكفر ذنوبه وتمحو سيئاته ومن هذه الأعمال:
أولاً: الصلاة:
الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فيقول الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت: 45)، وهي تغسل الخطايا، فعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟»، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا: (أخرجه البخاري، ومسلم)، والمشي إليها يرفع الدرجات وتحط الخطايا، فعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من تطهَّر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت اللَّه؛ ليقضي فريضة من فرائض اللَّه، كانت خَطْوَتاه إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفع درجة» (رواه مسلم).
ثانياً: الإكثار من الصدقات:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء» (رواه الترمذي)، وهي من أحب الأعمال الصالحة لله تعالى وتقي صاحبها من دخول النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة» (رواه البخاري)، وعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الصَّلاةُ نُورٌ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَالْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» (رواه مسلم).
ثالثاً: تفريج كربات المكروبين:
جعل الله عز وجل تفريج كربات الناس من أسباب تفريج كربات المسلم يوم القيامة في وقت هو أشد ما يكون فيه لمعية الله عز وجل ومغفرته، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» (أخرجه مسلم)، ويقول عليه الصلاة والسلام: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه: (رواه مسلم).
رابعاً: الصبر:
قد جعل الله الابتلاء سُنة من سُنن الحياة الدنيا لاختبار صبر المسلم، وجعل للصبر أجراً عظيماً وسبباً لتكفير الذنوب وجبر التقصير في العبادات، فقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر: 10)، وقال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» (متفق عليه).
خامساً: العفو عن الناس:
حرص الإسلام على أن تسود روح المودة والوئام بين أفراد المجتمع المسلم، ولذلك جعل للعفو والتسامح بين الناس أجراً عظيماً، وسبباً لمغفرة الذنوب من الله عز وجل.
وفي قصة الإفك خير مثال على حث القرآن على التسامح، فبعد ظهور براءة السيدة عائشة رضي الله عنها، أقسم أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يوقف إنفاقه عن مسطح بن أثاثة، وقد كان ينفق عليه قبل أن يقع فيمن وقعوا في عرض السيدة عائشة المبرأة من السماء، لكن وبالرغم من كبيرة الخوض في العرض وتنفيذ حد القذف، فإن الله عز وجل يحث أبا بكر على مسامحة مسطح والعودة للإنفاق عليه قائلاً سبحانه: (أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) (النور: 22)، فأقر الصديق رضي الله عنه بحب غفران الله وسامح صاحبه، ويقول الله تعالى: (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التغابن: 14).
سادساً: بر الوالدين:
لعظم أمر الوالدين في الإسلام، فقد جعل الله برهما سبباً لمغفرة الذنوب ومحو الخطايا، ولم يقرن الله عز وجل عبادة بتوحيده إلا ببر الوالدين، فقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (النساء: 36)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر -أحدهما أو كلاهما- فلم يدخل الجنة»؛ أي: رغم أنف من أدرك والديه في سن الكبر فلم يفعل معهما ما يوجب دخوله الجنة. (رواه مسلم).
سابعاً: الصيام:
الصيام نوع من أنواع الصبر على الحرمان من الطعام والشراب واللغو والفسوق، ولذلك فكان أجره مضاعفاً مرات ومرات، وكل عبادة من العبادات معروف أجرها إلا الصوم، فقد جعله الله له ويأجر عليه كيفما شاء سواء كان صيام فريضة أو نافلة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (رواه البخاري، ومسلم)، وعنه رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» (رواه مسلم).
ثامناً: الاستغفار:
يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: 135)، وقال عبدالله بن مسعود في كتاب الله عز وجل آيتان ما أذنب عبد ذنبًا فقرأها واستغفر الله عز وجل إلا غفر الله تعالى له، ثم ذكر الآية السابقة، ومن الآيات الدالة على فضل الله عز وجل وتكرمه بغفران الذنوب، وتكفير السيئات قوله عز وجل: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء: 110).
تاسعاً: الحرص على الوضوء دائماً:
الإسلام دين النظافة والطهر، والمسلم إنسان متميز بين الخلق، فعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» (رواه مسلم).
عاشراً: العمل الصالح:
مجالات الأعمال الصالحة واسعة ومفتوحة، ومن رحمة رب العالمين بخلقه فقد جعلها سبباً لمحو الخطايا، فقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) (العنكبوت: 7)؛ يعني أن الذين منَّ اللّه عليهم بالإيمان والعمل الصالح سيكفر اللّه عنهم سيئاتهم، لأن الحسنات يذهبن السيئات؛ (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ)؛ وهي أعمال الخير، من واجبات ومستحبات، فهي أحسن ما يعمل العبد، لأنه يعمل المباحات أيضا، وغيرها(1).
____________________
(1) تفسير السعدي.