لعباد الرحمن سلوكيات وعلامات تميزهم عن غيرهم وتزينهم ليستحقوا شرف الانتساب للرحمن ويكونوا جديرين بوصف «عباد الرحمن».
وقد ذكرهم الله عز وجل في كتابه العزيز، ووصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بصفات واضحة ومحددة لتكون نبراساً وطريقاً للمسلم للاقتداء والعمل والاجتهاد، نذكر منها ما ورد في سورة «الفرقان» بنسبهم للرحمن عز وجل للفت الانتباه إليها، يقول تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً {63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً {64} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً {65} إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً {66} وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً {67} وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً {68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً {69} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {70} وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً {71} وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً {72} وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً {73} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً {74} أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً {75} خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً {76} قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً) (الفرقان).
وتلك 6 صفات لعباد الرحمن:
1- يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً:
يمشون على الأرض هوناً؛ أي بسكينة ووقار وهدوء، في تواضع وغير استكبار، يقول ابن كثير: ليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع تصنعاً ورياء، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له.
وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع، حتى روي عن عمر أنه رأى شاباً يمشي رويداً، فقال: ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال: لا يا أمير المؤمنين؛ فعلاه بالدرة، وأمره أن يمشي بقوة.
وإنما المراد بالهون السكينة والوقار، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا».
وقوله: «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً»؛ أي: إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ، لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيراً، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.
2- يبيتون لربهم سجداً وقياماً:
يبيتون في عبادته وطاعته، كما قال تعالى: (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ {17} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات)، وقال: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (السجدة: 16)، وقال: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) (الزمر: 9)(2)، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل فقال: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَكَانَ بَعْدُ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلاً» (رواه البخاري).
3- الدعاء والاستعاذة من جهنم:
الذين يدعون الله تعالى أن يصرف عنهم عقابه وعذابه حذراً منه ووجلاً، وقوله: (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) يقول: إن عذاب جهنم كان غراماً ملحاً دائماً لازماً غير مفارق من عذِّب به من الكفار، ومهلكا له(3).
وفي مشروعية الاستعاذة من جهنم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم»، قالوا: يا رسول الله، إن كانت لكافية (يعني لو كانت كنار الدنيا فهي عذاب موجع مؤلم فكيف وقد تضاعفت؟) قال: «فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً» (متفق عليه).
4- الاعتدال في الإنفاق:
المقصود النفقات الواجبة والمستحبة: «بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير وإهمال الحقوق الواجبة، «وَلَمْ يَقْتُرُوا» فيدخلوا في باب البخل والشح، «وَكَانَ» إنفاقهم «بَيْنَ ذَلِكَ» بين الإسراف والتقتير، «قَوَامًا» يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضرر ولا ضرار وهذا من عدلهم واقتصادهم(4).
5- يعبدون الله مخلصين له الدين، ولا يقتلون النفس إلا بالحق:
إخلاص العبادة لله عز وجل وتوحيده توحيداً خالصاً هو الغرض من الرسالات السماوية وبعث الرسل والأنبياء، فيقول تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (غافر: 65)، ويقول سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة: 5).
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشِّرك، مَن عمِل عملًا أشرَك فيه معي غيري، تركته وشركه» (رواه مسلم).
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)، قيل في سبب نزول هذه الآية: إنها نزلت من أجل قوم من المشركين أرادوا الدخول في الإسلام ممن كان منه في شركه هذه الذنوب، فخافوا ألا ينفعهم مع ما سلف منهم من ذلك إسلام، فاستفتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأنـزل الله تعالى هذه الآية، يعلمهم أن الله قابل توبة من تاب منهم.
6- ولا يزنون:
شدد الإسلام على مسألة العفة وتطهير المجتمع وحفظ النسل من الوقوع في جريمة الزنى واستحلال أعراض المسلمين فيما بينهم.
ومن الأحاديث التي تشدد في تلك المسألة قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (رواه البخاري، ومسلم).
ومن ذلك أيضاً ما رواه ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: «أن تجعل لله نداً وهو خلقك»، قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك»، قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك» (متفق عليه).
_____________________
(1) تفسير بن كثير، ص 365.
(2) المرجع السابق.
(3) تفسير الطبري.
(4) تفسير السعدي.