لأول مرة منذ اندلاع الحرب في غزة، أعلن الرئيس التركي أردوغان: «كما تدخلنا في كاراباخ بأذربيجان، وليبيا، سنتخذ خطوات مماثلة للتدخل في فلسطين ضد «إسرائيل»، لا شيء يمنعنا من القيام بذلك».
ماذا يعني هذا الكلام الخطير؟ هل هو رسائل تهديد مباشرة لـ«إسرائيل» بالتدخل نصرة لغزة، أم تهديد للغرب كي يوقف العدوان؟ هل يقصد أنه سيضرب «إسرائيل» أو يعطي المقاومة طائرات «بيرقدار»؟ هل سيفعلها أردوغان؟ هل هو جاد؟
ما ردود فعل الاحتلال والغرب على هذه التصريحات؟ وما الأدوات التي يمكن لتركيا أن تتدخل بها كما فعلت في 5 حروب سابقة ربحتها بطائرات «بيرقدار»؟
كان من الواضح أن تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 28 يوليو الماضي، بأن تركيا قد تتدخل ضد «إسرائيل» كما دخلت في السابق في ليبيا وناغورنو قرة باغ، من تلك النوعية من التي تحمل رسائل عديدة، رغم أنه لم يوضح نوع التدخل الذي يتحدث عنه.
أردوغان لم يقل صراحة: إنه سوف يدخل الحرب ضد «إسرائيل» نصرة لغزة، ولكنه قال في اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في مدينة ريزا مسقط رأسه: «يجب أن نكون أقوياء للغاية حتى لا تتمكن «إسرائيل» من فعل هذه الأشياء السخيفة لفلسطين».
أردوغان ربط بين قوة تركيا وتدخلها في حرب أذربيجان وأرمينيا (وقره باغ)، وتدخلها أيضاً في ليبيا ضد الجنرال المتمرد خليفة حفتر الذي كان يريد غزو العاصمة طرابلس، لينقل رسائل لـ«إسرائيل» والغرب أن صاحب القوة التركي قد يفعل شيئاً مماثلاً مع «إسرائيل» لو استمرت أنقرة في الحفاظ على هذه القوة.
هذه الرسائل التركية التحذيرية ليست موجهة لـ«إسرائيل» فقط، بل أيضاً لأمريكا التي عليها أن تردع «إسرائيل» عن هذه العربدة التي تقوم بها في غزة والعالم، التي وصلت –بعد خطاب أردوغان– إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، وقادة من «حزب الله»؛ بما يهدد بجلب حرب إقليمية وربما عالمية للمنطقة.
أردوغان حرص في خطابه على القول: إنه «لا يوجد سبب يمنعنا من فعل ذلك.. يجب أن نكون أقوياء حتى نتمكن من اتخاذ هذه الخطوات»، ليرسل أيضاً رسالة للداخل التركي أنه لا بد من الاستمرار في خطط تقوية تركيا عسكرياً وزيادة التصنيع الحربي للاعتماد على الذات وامتلاك القوة.
قلق «إسرائيلي» وغربي
هذه الرسائل وصلت على ما يبدو لـ«إسرائيل» والغرب؛ فرد وزير الخارجية «الإسرائيلي» يسرائيل كاتس، على تصريحات أردوغان، بصورة وقحة تبين قلقه، مكتفياً بتهديد أردوغان بمصير صدام حسين قائلاً: إن أردوغان يسير على خطى صدام حسين ويهدد بمهاجمة «إسرائيل».
وفهم زعيم المعارضة «الإسرائيلية» يائير لابيد أن رسائل أردوغان موجهه للغرب أكثر من «إسرائيل» لردها، فبادر بتوجيه رسالة لحلف شمال الأطلسي يدعوه إلى إدانة أردوغان.
ميزان القوى العسكرية
وحول قدرة تركيا على تدمير «إسرائيل»، يقول الصحفي التركي محمد كانبيكلي: إنه من ناحية القوات البرية والبحرية تركيا قادره فعلياً على تدمير «إسرائيل»، فالقوات البرية التركية هي واحدة من أفضل وأقوى قوات حلف «الناتو»، لكنه يوضح أن مشكلة تركيا ضعف قواتها الجوية حال قررت التدخل ومواجهة «إسرائيل».
فالمقاتلات التي تملكها تركيا مقاتلات «F-16» أمريكية الصنع، وهي مصنوعة بتكنولوجيا الثمانينيات، في حين أن «إسرائيل» تملك أحدث المقاتلات في العالم «F-35»، ولا تستطيع أي مقاتلة تركية أن تصمد في مواجهة «F-35».
وأوضح أن أمريكا لن تسمح أيضاً لتركيا باستخدام مقاتلاتها في أي هجوم على «إسرائيل»، ولو تمردت تركيا على أوامر واشنطن فسوف تعلن الولايات المتحدة إيقاف تصدير ذخيرة المقاتلات إلى تركيا، وإيقاف مشروع بيع مقاتلات «F-16» إلى تركيا، وإيقاف تحديث مقاتلاتها، وإيقاف التعاون العسكري معها.
لكنه كشف أنه لو اتخذت الولايات المتحدة قراراً كهذا فلن يؤثر على تركيا؛ لأنها نجحت بالفعل في تركيب برامج محلية لمقاتلات «F-16»، وبإمكانها إطلاق صواريخ تركية الصنع للمقاتلة.
لكن هناك كارثة ستحل بتركيا ولا يعلمها إلا القليل فقط، وفق الصحفي محمد كانبيكلي؛ هي أن معظم المقاتلات التركية من طراز «F-16» ينتهي عمرها الافتراضي في عام 2030م تقريباً، وتركيا عقدت صفقة مع الولايات المتحدة من أجل تحديث مقاتلاتها وإطالة عمرها الافتراضي حتى عام 2040م؛ وبالتالي فأي إعلان حرب على «إسرائيل» في هذا التوقيت يعني إيقاف الولايات المتحدة توريد سلاح لتركيا وإيقاف صفقة قادمة من طائرات «F-16»، كما أن المقاتلة التركية الجديدة لن تدخل مرحلة الإنتاج إلا في عام 2030م، كما أن محركها الأوَّلي أمريكي الصنع.
وهذا بخلاف العقوبات الاقتصادية التي قد تفرضها أمريكا وأوروبا على تركيا لو قررت الدخول في صراع عسكري مع «إسرائيل» لنصرة غزة.