رسخت أذرع الاحتلال الأعياد اليهودية مواسم لتصعيد الاعتداء على المسجد الأقصى ومكوناته البشرية، ورفع أعداد المشاركين في اقتحامات المسجد، وما يرافق هذه الاقتحامات من أداء للطقوس اليهوديّة العلنية، وفرض القيود المختلفة أمام أبواب المسجد، وتصعيد الاعتداء على المنطقة الشرقية في الأقصى عامةً، وعلى مصلى باب الرحمة بشكلٍ خاص، ونحن على مشارف موسم الأعياد اليهوديّة القادم، ما بين 3 و25 أكتوبر، وهو موسم العدوان الأطول على المسجد الأقصى، والأشد قسوة.
النفخ بـ«الشوفار» في رأس السنة العبرية
يبدأ موسم الأعياد اليهودية مع «رأس السنة العبريّة»، الذي سيحل في 3 و4 أكتوبر 2024، يُحتفَل به لمدة يومين في أوَّل شهر تشري بالتقويم العبري، ولم يكن لهذا العيد أي ذكرى تاريخيّة يرتبط بها، إلا أنه اكتسب أهمية دينيّة مع الزمن، ومن أبرز طقوسه النفح بالبوق (الشوفار)، وفي سياق مركزية النفخ بـ«الشوفار» وارتداء الملابس الكهنوتيّة البيضاء، صعدت أذرع الاحتلال من محاولة القيام بهذه الطقوس داخل «الأقصى»، إذ شهد المسجد محاولاتٍ عديدة للنفخ تزامنًا مع رأس السنة العبرية، في عامي 2022 و2023. وتحرص «منظمات المعبد» على هذا الاعتداء لأنه يعني إعلانًا لهيمنة المستوطنين وسيادتهم على «الأقصى»، وإعلانًا لانتهاء الزمان الإسلامي في المسجد، في سياق تحويل المسجد الأقصى إلى مقدسٍ مشترك.
فقبيل حلول رأس السنة العبرية في العام الماضي دعت منظمات المعبد جمهورها إلى اقتحام «الأقصى»، وأعلنت عن توفر نقليات مجانية للمشاركين في الاقتحامات. وفي اليوم الأول من في 17/ 9/ 2023م اقتحم «الأقصى» 426 مستوطنًا، وشهد المسجد نفخ البوق أمام أبوابه وفي ساحاته، وبحسب مصادر مقدسية فقد نفخ المستوطنين بالبوق مرتين في الساحات الشرقية لـ«الأقصى»، واستطاع الحراس رصد هذا الاعتداء عبر مقاطع مصورة، إضافةً إلى أداء الطقوس اليهودية العلنية قرب مصلى باب الرحمة، إلى جانب مشاركة متطرفين اقتحموا المسجد باللباس الكهنوتي الأبيض.
من «أيام التوبة» إلى «الغفران»
وبعد رأس السنة العبرية وقبل حلول «عيد الغفران» تأتي «أيام التوبة»، وهي عشرة أيام ما بين هذين العيدين، وتركز خلالها أذرع الاحتلال على تحقيق قفزات في أعداد مقتحمي الأقصى، مع التركيز على اقتحام المسجد باللباس الكهنوتي الأبيض، وأداء مختلف الطقوس العلنية، وخاصة بركات الكهنة في ساحات المسجد الشرقية. وتلي هذه الأيام عيد الغفران، والذي يُدعى بالعبريّة يوم كيبور، ويُعدّ أقدس أيام السنة العبرية، ويُطلق عليه سبت الأسبات، ويبدأ الاحتفال بهذا العيد قبل غروب شمس اليوم التاسع من تشري ويستمر إلى ما بعد غروب اليوم التالي، ولا يُمكنهم القيام بأيّ عمل آخر إلا التعبد، ويحلّ في هذا العام ما بين 12 و13/10/2024، وسيشهد جملةً من الاعتداءات، من بينها محاولات النفخ بـ الشوفار، واقتحام الأقصى بالثياب الكهنوتية البيضاء، إضافةً إلى محاكاة تقديم القرابين في الأقصى، في سياق الاستعداد لعيد العُرش، وأداء السجود الملحمي الكامل بشكلٍ جماعي في ساحات الأقصى الشرقية.
وشهد العام الماضي استباق حلول العيد باقتحامات حاشدة، ففي 24/ 9/ 2023م عشية عيد الغفران، اقتحم الأقصى 673 مستوطنًا بحماية مشددة من عناصر الاحتلال الأمنية، وارتدى بعض المقتحمين اللباس الكهنوتيّ الأبيض. وفي عيد الغفران في 25/ 9/ 2023 اقتحم الأقصى 486 مستوطنًا، بحماية قوات الاحتلال، ونفذ المستوطنون جولاتٍ استفزازية في ساحات المسجد، وارتدى بعضهم لباس التوبة الأبيض.
العُرش محطة لتحقيق اقتحامات حاشدة للمسجد
هو ثالث أعياد الحج عند اليهود، ومدته سبعة أيام، ويُعد العيد إحياءً لذكرى خيمة السعف التي آوت العبرانيين في العراء أثناء الخروج من مصر، وبحسب موسوعة اليهودية كان عيدًا للزراعة والحصاد، ثم تحول إلى شكله الحالي، وبعيدًا عن تفاصيل هذا العيد الكثيرة، إلا أنه واحدٌ من أبرز مواسم الاعتداء على الأقصى، إذ يحلّ في هذا العام ما بين 17 و23/ 10/ 2024م، فإلى جانب تسجيل أرقام اقتحامٍ قياسيّة، يشهد الأقصى في هذا العيد تصاعدًا في أداء الطقوس التوراتية العلنية، وخاصة أداء السجود الملحمي الكامل جماعيًا، ومحاولات المستوطنين إدخال القرابين النباتية ثمار العُرش إلى داخل المسجد، وعقد الاجتماعات الحاخامية، ومع تصاعد أداء الطقوس في الفترة الماضية، ستحاول منظمات المعبد إقامة عريشة في الأقصى ولو شكليًا، وما يتصل بفرض المزيد من سيطرة شرطة الاحتلال على المسجد وأبوابه.
وسيشكل العُرش محطة لتحقيق اقتحامات حاشدة للمسجد، ففي عام 2022 بلغ عدد مقتحمي الأقصى في هذا العيد نحو 5094 مستوطنًا، أما في عام 2023 بلغ عدد مقتحمي الأقصى في أيام العيد نحو 5800 مستوطنًا، وشهد اليوم الثالث منه في 2/ 10/ 2023، اقتحام 1491 مستوطنًا لباحات المسجد في يومٍ واحد.
لماذا تريد الصهيونية الدينية الحسم؟
لن تكتفي أذرع الاحتلال بالأعياد السابقة، فقد أصبحت تحاول الاستفادة من الأعياد الهامشية، لرفع حجم العدوان على الأقصى، إذ يُختم هذا الموسم بعيد ختمة التوراة في 24/ 10/ 2024م، والتي ستشهد اقتحامات كبيرة، واستعراضًا للسيطرة الصوتية، إلى جانب تصعيد محاولات السيطرة. كما ستحل الذكرى الأولى لـ«طوفان الأقصى» بالتقويم العبري في 25/ 10/ 2024م، ومع تزامنها مع يوم الجمعة، من المتوقع أن تشهد البلدة القديمة استفزازات عند الساعة السادسة والنصف صباحًا، موعد انطلاق العملية في السابع من أكتوبر.
ومع استعراض المخاطر المحدقة بالموسم، ومحاولة الحكومة الحالية حسم جميع الجبهات، وأولها المسجد الأقصى، إذ تنظر إليه الصهيونية الدينية على أنه نقطة الحسم الأصعب، وإن استطاعت حسمها والمضي قدمًا في مشاريعها ستنتصر في كل جبهاتها الأخرى، ما يجعل المعركة على الأقصى معركة وجود، كما هي الحال في غزة، فالصهيونية الدينية ترى في قضية المعبد المزعوم بأنه الجوهر المفقود للكيان الصهيوني، ومن خلال المعبد سينال الكيان بركة الرب بحسب زعمهم، ويرون أنهم من خلال إقامته سيستجلبون الخلاص الإلهي. وقد بدأت أذرع الاحتلال بالتحضير لعدوانها في موسم الأعياد، وتحاول إرسال رسالة مفادها أنها تجاوزت طوفان الأقصى، وأنها أجهضت كل محاولات الدفاع عن الأقصى خارج القدس وداخلها، وستكون هذه الأعياد الباب الذي ستدخل منه أذرع الاحتلال إلى مرحلة جديدة من العدوان، مرحلة عنوانها الاقتسام الكامل للأقصى، وقد أشار إليها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير نيته بناء كنيس في الأقصى، ومن ثم تعيين قائد جديد للشرطة منسجمٍ مع منظمات المعبد وأحد الذين أشرفوا على تطور أدائها الطقوس العلنية في المسجد، وهي طقوس أصبحت أمرًا واقعًا في الأقصى، يؤديها المقتحمون يوميًا بحماية شرطة الاحتلال وإشراف حاخاماتهم.
ما دورنا؟
يظلّ سؤال الدور حاضرًا في كل مكان، فالجرح في غزة ما زال نازفًا، والعدوان على لبنان في بدايته، والقدس والأقصى بين براثن المحتلّ، وعلى الرغم من ذك، على الأمة دورٌ كبير، لا يجب عليها التنصل منه، بل على كلّ فردٍ منها أدوار كثير، وكما قال العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو من يستطيع بذل مال وجب عليه، ومن يستطيع علاج جريح، أو كتابة مقال، أو كلاما إعلاميا وجب عليه، وكل مقدور عليه لا يسقط إلا بأدائه، ومن أوجب الواجبات في هذه المرحلة:
– الدعم المالي، فأهلنا في غزة يعانون معاناة شديدة، والعدو يمعن في حصارهم، ويعمل على تجويعهم، إلى جانب ما يلاقونه من قتلٍ وتشريد.
– أن نتعرف أكثر عن تلك القضية المباركة، علينا أن نعلم أبناءنا وإخواننا وأهلينا، عن أهمية القدس والأقصى، نحدثهم عما يحصل فيها، وعن صراعنا مع الاحتلال، نحدثهم عن الأقصى، عن مساحته ومصلياته، لنجعل هذا الاهتمام مشعل الحب لهذه المدينة، الذي سيحرك العمل والدعم.
– الدعم الإعلامي، ليكون كل مستخدم لوسائل التواصل منبرًا لكل مقدسي فقد ولده، ولكل منزل هُدم في المدينة، ولكل شهيد سقط في غزة، ولكل طفلٍ تيتم في تلك البقعة الصابرة، لتكن فلسطين وفي القلب منها غزة والقدس، أولوية لنا وفي متابعاتنا.
– إظهار الغضب في المظاهرات والوقفات والاحتجاجات، لنرسل رسالة لإخواننا، بأننا معهم نشاركهم آلامهم ومعاركهم، ورسالة للاحتلال بأننا ما نسينا، وكما هنالك إخوانٌ لنا أصابعهم على الزناد في غزة، فنحن مرابطون في الدعم والنصرة والتحشيد، والموقف، والبذل، والعطاء.