غزة، تلك البقعة الصغيرة من الأرض التي أضحت عنوانًا للصمود والمعاناة، تدخل يومها الـ454 تحت نيران الحرب والحصار.
هذه الأيام لم تكن مجرد أرقام تُعد، بل هي شواهد على ألم إنساني عميق ومعاناة تفوق الوصف، بين مشاهد الدمار الذي طال المستشفيات، ومعاناة الجوع والبرد التي أنهكت السكان، تسطر غزة صفحة جديدة في سجل المآسي الإنسانية، في ظل صمت عالمي يتجاوز حدود التواطؤ.
المستشفيات.. منابر الشفاء تتحول إلى رماد
في أي مكان في العالم، تُعتبر المستشفيات ملاذًا للمرضى والجرحى، لكن في غزة، أصبحت أهدافًا مباشرة للقصف.
خلال 453 يومًا من الحرب، تم تدمير عشرات المرافق الطبية، ما أدى إلى توقفها عن العمل، قصف المستشفيات لا يعني فقط تدمير البنية التحتية، بل يعني أيضًا انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وحرمان الآلاف من فرصة النجاة.
هذه الاعتداءات تترافق مع نقص حاد في الموارد الطبية، حيث تحول الحصار المفروض منذ سنوات إلى عائق يمنع دخول الأدوية والأجهزة اللازمة، الكهرباء تنقطع بشكل يومي ولساعات طويلة؛ ما يجعل تشغيل وحدات العناية المركزة وأجهزة غسيل الكلى مهمة شبه مستحيلة، المرضى يموتون ليس بسبب إصاباتهم، بل بسبب غياب الإمكانات اللازمة لعلاجهم.
الجوع والبرد.. مأساة تتكرر مع كل شتاء
الجوع في غزة لم يعد حالة استثنائية، بل أصبح واقعًا يوميًا تعيشه معظم العائلات، الحصار يمنع دخول المواد الغذائية بالكميات الكافية، بينما تعجز العديد من الأسر عن شراء الاحتياجات الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، أكثر من نصف سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي غالبًا ما تكون غير كافية لتغطية احتياجاتهم.
ومع حلول الشتاء، تظهر معاناة جديدة، يعيش الآلاف من سكان غزة في منازل مدمرة جزئيًا أو خيام لا تقيهم برد الشتاء، الأطفال يموتون ليس فقط بسبب الجوع، بل أيضًا بسبب البرد القارس الذي يعجزون عن مواجهته بلا ملابس دافئة أو وسائل تدفئة، أمراض تنفسية، التهابات، ونقص في الخدمات الطبية تزيد من تفاقم الوضع، لتتحول ليالي غزة الباردة إلى كابوس يومي لا ينتهي.
الصمت الدولي.. جريمة إضافية بحق غزة
في ظل هذه الكوارث المستمرة، يبقى المجتمع الدولي شاهدًا صامتًا على معاناة غزة، على مدار 453 يومًا، لم يتحرك العالم بالشكل المطلوب لإنهاء هذه المأساة، القرارات الدولية تظل حبرًا على ورق، والمؤتمرات العالمية لا تقدم سوى وعود فارغة.
هذا الصمت العالمي لا يساهم فقط في استمرار المعاناة، بل يمنح الضوء الأخضر لاستمرار الانتهاكات بحق أكثر من مليوني إنسان يعيشون في القطاع، غزة ليست بحاجة إلى بيانات إدانة أو تعاطف عابر؛ هي بحاجة إلى خطوات عملية لإنهاء الحصار وتوفير الحماية لسكانها.
غزة.. قصة صمود لا تنتهي
رغم كل هذا الألم، تبقى غزة عنوانًا للصمود والتحدي، الأطباء والممرضون يعملون بأقل الإمكانات لإنقاذ الأرواح، والمعلمون يعلمون الأطفال في ظل القصف، والأمهات يزرعن الأمل في قلوب أطفالهن رغم الحرمان.
غزة ليست فقط مدينة تعاني، بل هي مدينة تصنع الحياة من بين الركام، وتحافظ على كرامتها رغم كل المحاولات لسحقها.
وفي النهاية، نوجه دعوة للإنسانية في كل بقاع الأرض، ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل اختبار لضمير العالم، حرق المستشفيات والموت جوعًا وبردًا ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة لصمت عالمي وإخفاق جماعي، حيث إن دعم غزة اليوم ليس خيارًا، بل واجب على كل إنسان يؤمن بحق الحياة والكرامة.
غزة ستبقى، وستستمر في الصمود، لكن العالم يحتاج أن يُعيد حساباته، إنهاء الحصار، وتوفير الحماية للسكان، ودعم إعادة إعمار ما دمرته الحرب، ليست فقط مطالب فلسطينية، بل مسؤولية أخلاقية يتحملها كل من يدّعي الإنسانية.
غزة تنادي العالم، فهل من مجيب؟