الحرية، هل هي مكون أصيل من مكونات الفطرة الإنسانية وضعها فيه الخالق سبحانه فأصبح بعضهم يدافع عنها بحياته نفسها، ويبذل في سبيلها الغالي والنفيس، ويعادي الأنظمة التي توسمه بالإرهاب والخروج على العدالة ثم هو لا يعود عن مبتغاه مطالباً بها عاملاً عليها؟
إن الإنسان الطبيعي على مدى التاريخ يأبى المذلة وتقييد حريته حتى لو كان مجرماً أساء لمجتمعه ويستحق العقوبة، فهو يرفض فطرياً أن يعتدي أحد على حريته، وقد يقبل عقوبات أخرى إلا أن تحبس حريته؛ ولذلك فإن الحدود في الإسلام لم تضع السجن فيها كعقوبة إلا من باب التعزير، فهو يقضي مدة في السجن إما لانتظار تطبيق العقوبة الأساسية، وإما لقضاء فترة تعزيرية لا تمتد أبداً لسنوات من عمره.
وتحكي السيرة النبوية أن صحابياً كان مبتلى بشرب الخمر، لكنه كان يعلم العقوبة لا تمنعه عن واجبه تجاه دينه، فالحد لا يقطع علاقة الإنسان بتكليفات دينه، ولا يوجب حرمانه من عباداته ومنها الجهاد في سبيل الله.
وحد معاقرة الخمر أن يجلد صاحبها، وكان أبو محجن يطبق عليه حد الجلد ثم يعود، وحين نادى منادي الجهاد إلى «القادسية» خرج أبو محجن مع جيش المسلمين مجاهداً رغبة في الشهادة في سبيل الله رغم معصيته.
لماذا لا يعاقب من يخطط للهروب من السجن في ألمانيا(1)؟
ومن المفارقات العجيبة أن القانون في ألمانيا لا يعاقب من يخططون للهروب من سجنهم على محاولات هروبهم، وإنما يعاقب على الأفعال والجرائم التي تتم في تلك المحاولات، باعتبار أن الحرية فطرة إنسانية لا يستطيع الإنسان مقاومتها حتى ولو كان مجرماً، وتعود أسباب عدم معاقبة محاول الهروب لعدة نقاط:
– الحرية كحق أساسي: يعتبر القانون الألماني الحرية حقًا أساسيًا للإنسان، ويرى أن السعي وراءها أمر طبيعي.
– التركيز على الأفعال: بدلًا من معاقبة النية بالهروب، يركز القانون على الأفعال التي قد يرتكبها السجين خلال الهروب، مثل التخريب أو الاعتداء.
– الردع: يعتقد المشرعون الألمان أن التركيز على الأفعال المرتكبة خلال الهروب هو أكثر فعالية في ردع السجناء عن القيام بأعمال عنيفة أو تخريبية، وبالطبع هذا لا يعني أن الهروب مسموح به، فبعد القبض على الجاني سوف يعاد إلى السجن ليكمل عقوبته الأساسية.
وعلى مر التاريخ لم تمر حقبة زمنية دون محاولات للهروب من السجون، ونرصد هنا أشهر تلك المحاولات التي صارت أسطورية:
1- سجن ألكاتراز(2):
يعتبر هذا السجن من أكثر السجون حصانة في العالم، ومع ذلك، تمكن 3 سجناء عام 1962م من الهروب عبر نفق حفروه بأنفسهم، لغز هذا الهروب لا يزال قائماً حتى اليوم، حيث لم يتم العثور على أي دليل على مكانهم.
2- سجن المتاهة(3):
حيث قام السجناء بتهريب 6 مسدسات مع كاتمات الصوت والسكاكين داخل السجن، وهو اللغز الذي لم يكتشف كيف حدث ذلك إلى الآن، وبعد السيطرة على الكتلة (H) داخل السجن تحت تهديد السلاح، خطط السجناء لخطف شاحنة توصيل الطعام، التي علموا أنها لم يتم تفتيشها عند دخول السجن أو الخروج منه، بعد أن قرروا تنظيم الاختراق يوم الأحد -وهو أهدأ يوم في الأسبوع مع وجود أقل عدد من الموظفين في الخدمة- حدد قادة الجيش الجمهوري الإيرلندي يوم 25 سبتمبر 1983م باعتباره يوم هروبهم العظيم.
3- هروب سجن شطة.. انتفاضة ضد الظلم:
هروب سجن شطة كان أكثر من مجرد عملية هروب؛ كان انتفاضة ضد الظروف القاسية التي عاشها الأسرى الفلسطينيون في هذا السجن «الإسرائيلي»، وقع هذا الحدث التاريخي في مساء يوم 31 يوليو 1958م، وقد تمرد حوالي 190 أسيراً فلسطينياً على الحراس، وسيطروا على جزء من السجن، وحدثت مواجهة عنيفة أسفرت عن مقتل 11 أسيراً وحارسين «إسرائيليين»، وتمكن 66 أسيراً من الهروب، وظهر معها تضامن عربي كبير مع القضية الفلسطينية.
4- هروب مجموعة السبعة من سجن جون كونالي في الولايات المتحدة:
حيث استطاع 7 من السجناء عام 2000م من الهروب باستخدام سيارة، وقد لفت هذا الهروب الانتباه لأهمية مراجعة نظام الأمان في السجون الأمريكية.
5- هروب سجناء من سجن جلبوع بفلسطين المحتلة(4):
أو ما يعرف بعملية «نفق الحرية»، حيث استطاع 6 من الفلسطينيين المجاهدين والمحبوسين في أكبر السجون تأميناً وهو سجن جلبوع، بحفر نفق للخروج من السجن، وذلك في 6 سبتمبر 2021م، وتعود أهمية ذلك الهروب بزعزعة الثقة في الأساطير المضروبة حول سجون الاحتلال وصعوبة الهروب منها، وكانت من عمليات الهروب الكبيرة التي تابعها المسلمون على مستوى العالم متمنين للمساجين النجاح في عدم القبض عليهم مرة أخرى، غير أنه في خلال أيام معدودة استطاع الصهاينة أن يعيدوهم للسجن بعد أن تنسم الأحرار نسيم الحرية.
________________________
(1) يعود تاريخ قانون الهروب من السجن في ألمانيا، لعام 1880م، حيث رأى واضعو هذا القانون أن البقاء حراً والسعي لنيل الحرية غريزة البشر؛ لذلك قرروا عدم جعل الفرار من السجون غير قانوني، وعلى الرغم من ذلك فهناك سر يكمن في هذا الأمر.
(2) يقع في جزيرة بخليج سان فرانسيسكو، وكان قد بُنِيَ عام 1934م لمعاقبة أكثر المجرمين خطورة في جزيرة معزولة، واختارت السلطات الأمريكية خليج سان فرانسيسكو، نظرًا لتياراته القوية، التي لا يستطيع أي إنسان تجاوزها؛ فضلًا عن وجود أسماك القرش فيها.
(3) يعتبر سجن المتاهة من أكثر السجون المضادة للهرب في أوروبا، إضافة إلى الأسوار التي يبلغ ارتفاعها 15 قدماً، وقد شمل كل قطاع جداراً خرسانياً بارتفاع 18 قدماً تعلوها الأسلاك الشائكة، أما أسوار المنشأة فهي مصنوعة من الحديد الصلب ويتم التحكم فيها إلكترونياً.
(4) سجن تابع لمصلحة السجون «الإسرائيلية» يقع في منطقة وادي جالود، عند سفح جبل جلبوع، وهو واحد من 5 سجون تابعة لمصلحة السجون يتم منحها أعلى مستوى من الأمن والسجناء على مستوى عالٍ من الخطر.