لسنوات، عمل بشار الأسد وعائلته بعناية على ترسيخ صورة زائفة له باعتباره شخصية متواضعة ومتقشفة، ولكن الواقع أن نظام الأسد يسيطر على نظام معقد من الثروات المخفية، ويبني واجهات شركات وهمية لتجنب العقوبات الدولية، ووفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن الشركات والأصول المرتبطة بعائلة الأسد قد تصل قيمتها إلى 12 مليار دولار.
سقط نظام الأسد في سورية، فر بشار الأسد لروسيا في 8 ديسمبر 2024م مع تقدم الثوار بسرعة نحو العاصمة دمشق، منهين بذلك دكتاتوريته التي استمرت 24 عامًا، استخدم بشار ووالده حافظ الأسد أقاربهما لإخفاء ثرواتهم في الخارج في نظام أدى لثراء أفراد الأسرة ولكنه تسبب أيضًا في توترات أوسع نطاقًا داخل عشيرة الأسد.
بذل نظام الأسد قصارى جهده لتجاوز العقوبات الغربية وتأمين بقائه بدعم من الكرملين، ومع رحيل الأسد، بدأ البحث العالمي عن مليارات الدولارات نقدًا وأصولًا جمعتها الأسرة على مدى نصف قرن من الحكم الاستبدادي، وفقًا لتقارير صحيفة «وول ستريت جورنال».
فقد بنت عائلة الأسد شبكة واسعة من الاستثمارات والمصالح التجارية على مدى عقود منذ تولي حافظ الأسد السلطة في عام 1970م، وقال تقرير «وول ستريت جورنال»: إن العقارات الفاخرة في روسيا والفنادق والبوتيكات في فيينا وطائرة خاصة موجودة في دبي من بين بعض المشتريات الدولية التي قام بها أقارب بشار المقربون على مر السنين، وفقًا لمسؤولين أمريكيين سابقين ومحامين ومنظمات بحثية، محامو حقوق الإنسان يقولون: إنهم يخططون لتتبع المزيد من الأصول، على أمل استعادتها للشعب السوري.
وقد نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن أندرو تابلر، المسؤول السابق في البيت الأبيض، الذي حدد أصول أفراد عائلة الأسد عندما كان يعمل على تنفيذ العقوبات الأمريكية، قوله: ستكون هناك مطاردة لأصول النظام دوليًا، ولكنهم كان لديهم الكثير من الوقت قبل الثورة لغسل أموالهم، كانت لديهم دائمًا خطط بديلة وهم الآن مجهزون جيدًا للمنفى.
ما مقدار الثروة التي يسيطر عليها الأسد وعائلته؟
على الرغم من أن الحجم الدقيق للثروة التي تمتلكها عائلة الأسد لا يزال غير واضح، فقد ذكر تقرير صادر في عام 2022م عن وزارة الخارجية، أن من الصعب تحديد رقم، لكن تقديرات الأعمال والأصول المرتبطة بآل الأسد قد تصل قيمتها إلى 12 مليار دولار، أو ربما مليار دولار فقط.
الاحتكار والمخدرات
وفقًا للتقييم، غالبًا ما تم الحصول على الأموال من خلال احتكارات الدولة والاتجار بالمخدرات، وخاصة الكبتاجون الأمفيتاميني، وإعادة استثمارها قانونياً بشكل جزئي خارج نطاق القانون الدولي، وبحسب ما ورد تم الكشف عن مخزونات كبيرة من الكبتاجون المخدر غير المشروع بعد سقوط نظام الأسد.
وقع ذلك في عام 2011م عندما استمرت ثروة عشيرة الأسد في النمو مع كفاح السوريين العاديين ومع تأثير الحرب الأهلية في البلاد، كانت الشخصيات الأكثر قوة في نظام الأسد من ذوي العقلية التجارية، ولا سيما زوجة بشار الأسد المولودة في بريطانيا، أسماء، وهي مصرفية سابقة في جي بي مورجان.
كانت العائلة الحاكمة خبيرة بالعنف الإجرامي كما كانت خبيرة بالجرائم المالية، هذا ما قاله توبي كادمان، محامي حقوق الإنسان في لندن لدى غرفة العدل الدولية جيرنيكا 37، الذي حقق في أصول الأسد لصحيفة «وول ستريت جورنال».
كم من ثروة الأسد تم الاستيلاء عليها؟
الجواب هو إلى حد ما، تمكنت الفرق القانونية من تأمين تجميد بعض الأصول المتعلقة بثروة الأسد، في عام 2019م، جمدت محكمة في باريس ممتلكات بقيمة 90 مليون يورو -أي ما يعادل 95 مليون دولار- محتجزة في فرنسا من قبل رفعت الأسد، عم بشار الأسد الذي أشرف على حملة قمع وحشية للمعارضة في عام 1982م، وحكمت المحكمة بأن الأصول تم الحصول عليها من خلال غسيل الأموال العامة المختلسة بشكل منظم.
عائلة مخلوف
بدأت عشيرة الأسد في تجميع الثروة بعد فترة وجيزة من تولي حافظ الأسد السيطرة على سورية بعد انقلاب غير دموي، فقد كشف أيمن عبدالنور، صديق بشار الأسد في الجامعة، عن كيفية تعيين حافظ لصهره محمد مخلوف للإشراف على احتكار استيراد التبغ المربح في سورية، بحسب التقرير، وقال عبد النور، الذي كان في وقت لاحق مستشارًا غير مدفوع الأجر لبشار الأسد: إن مخلوف حصل على عمولات كبيرة في قطاع البناء المزدهر، وعندما خلف بشار والده كزعيم في عام 2000م، نقل مخلوف إمبراطورية الأعمال إلى ابنه رامي.
أصبح رامي مخلوف فيما بعد الممول الرئيس للنظام بأصول في البنوك والإعلام والمتاجر المعفاة من الرسوم الجمركية وشركات الطيران والاتصالات، لتصبح قيمته تصل إلى 10 مليارات دولار، وفقًا لوزارة الخارجية، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على مخلوف في عام 2008م بسبب استفادته من الفساد العام لمسؤولي النظام السوري والمساعدة في استشرائه.
كيف ساعد تهريب المخدرات غير المشروعة نظام الأسد على الازدهار؟
خلقت الحرب الأهلية في سورية فرصًا جديدة لعشيرة الأسد، فبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، تولى ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد الأصغر، قيادة الفرقة الرابعة المدرعة في سورية، التي شاركت في تهريب الكبتاجون إلى بقية أنحاء الشرق الأوسط، وساعدت عائدات المخدرات لسنوات النظام في تعويض العقوبات الاقتصادية الغربية، حيث حققت متوسطًا سنويًا بلغ نحو 2.4 مليار دولار بين عامي 2020 و2022م، وفقًا لمرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، وهي منظمة بحثية سورية وعربية تتعقب تجارة الكبتاجون.
وبحسب التقرير، بدأ ماهر الاستثمار في الخارج قبل الحرب الأهلية، وشملت أصوله مزرعة في الأرجنتين، وفقًا لمسؤول استخباراتي أوروبي سابق، كما استثمر آل مخلوف في الخارج، حيث اشتروا عقارات في دبي بقيمة 3.9 ملايين دولار تقريبًا، تضم قصوراً على جزيرة الإمارة التي على شكل نخلة، وفقًا لدراسة أجريت عام 2018م من قبل مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة في واشنطن، التي فحصت بيانات الملكية المقدمة من مصادر سرية.
وقد قال رامي مخلوف في طلب للحصول على الجنسية النمساوية وقع في يد مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، وهي منظمة غير ربحية لمكافحة الفساد، إن عائلة مخلوف اشترت أيضًا فنادق بوتيك بقيمة 20 مليون يورو في فيينا وامتيازًا مرتبطًا ببار بوذا، الصالة الراقية أصلاً في باريس، كما امتلكت عائلة مخلوف ما يقرب من 40 مليون دولار عبارة عن امتلاك ناطحات سحاب فاخرة في موسكو، وفقًا لتحقيق أجرته منظمة غير ربحية لمكافحة الفساد عام 2019م، كما امتلك أفراد عائلة مخلوف ما يقرب من 40 مليون دولار من الممتلكات في ناطحات السحاب الفاخرة في موسكو، وفقًا لتحقيق أجرته مجموعة مكافحة الفساد تسمى جلوبال وتنيس في عام 2019م.
الأسد يهمش رامي مخلوف
في عام 2019م، همش بشار الأسد علنًا رامي مخلوف، وقد تم وضع مخلوف تحت الإقامة الجبرية ووضعت السلطات السورية العديد من مصالحه التجارية تحت الحراسة القضائية، وفقًا لما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال» سابقًا.
فبينما كان السوريون يعانون في الحرب الأهلية، كان آل رامي مخلوف يستمتعون بأسلوب حياة مترف في دبي، وقد نشرت صوره على وسائل التواصل الاجتماعي وهو في النوادي الليلية الفاخرة في دبي، كان يقود سيارات فيراري، ويلوح بزجاجات الشمبانيا، عاري الظهر والصدر في صالات الألعاب الرياضية في دبي، وفي إعلانات مدفوعة الأجر على مواقع وسائل الإعلام، قال أخوه الأكبر محمد: إنه استخدم 43 مليون دولار لتخصيص طائرة خاصة في دبي، كاملة بغرفتي معيشة ودش داخلي، وفقًا للتقرير.
أسماء الأخرس ترث تركة رامي
بعد رامي مخلوف، أشرفت أسماء الأسد على الاستيلاء على أصوله داخل سورية التي كان يديرها شركاؤها آنذاك، بما في ذلك السيطرة على شركة اتصالات كبرى، في عام 2020م، فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات عليها، لأنها وأفراد أسرتها أصبحوا من أشهر المستفيدين من الحرب في سورية.
وقالت وزارة الخارجية: إن أسماء الأسد وعائلتها جمعوا ثروات غير مشروعة على حساب الشعب السوري من خلال سيطرتهم على شبكة غير مشروعة واسعة النطاق لها روابط في أوروبا والخليج وأماكن أخرى.
وقال بوردون، محامي حقوق الإنسان في باريس: لدينا واجب استعادة الأموال للشعب السوري.