من الواقع الملموس على الصعيد الوطني أن الجرائم الإرهابية الهمجية التي ترتكبها المنظمات الهندوتفية بغاية من الضراوة في الهند، لا تزال تهدد الكيان الهندي الديموقراطي، وطبعاً أصبحت عمليات العنف والقتل، والقسوة والاضطهاد من طبيعتها الإرثية، كأنها قد رضعت بلبان الجرائم الشيطانية، ولها صفحات دموية سوداء طويلة وملفات مذهلة تكشف عن المذابح والمجازر التي مارستها في الماضي، ولا تزال تمارسها تحت رعاية ودعم مالي ومعنوي من السلطات المسؤولة، والقوى الحاكمة خارقة لقواعد القانون الوطني والدولي أيضاً، والمستهدفون لم يكن المسلمون وحدهم، بل تلدغ أفاعيها المبثوثة داخل الدوائر الرسمية والسياسية وخارجها المسيحيين، والطبقات المنبوذة من الهندوس بحرية وانطلاق.
وراء العنف
أحداث العنف الفردي والجماعي من جهة مجموعات الهندوتفا التي تستغرق فترة ما بين 90 سنة في الهند ضد المسلمين قد أدت بهم إلى الكثير من الأضرار والخسائر النفسية والمالية، وملأتهم يأساً وخوفاً، فمن هذا المنطلق ما الأسباب والركائز التي دفعت الهندوتفيين إلى ممارسات العنف والكراهية ضد المسلمين؟ فهناك عدة أسباب أساسية ومنها العداوة المضمرة، وعقلية الثأر، والشعور بالاستعلاء والتفوق بالسلالة الآرية أي البرهمنية، وسيطرة السلالة الآرية وهيمنتها على الهند.
وطبعاً المسلمون في نظر الهندوتفيين عرقلة كبيرة في تحقيق طموحاتهم، فلا بد من كسر شوكتهم، وتهميشهم، وإضعافهم على جميع الأصعدة تعليمياً، واقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، فكان العنف السلاح المؤثر الفعال لخلق بيئة خانقة يعيش المسلمون فيها بلا غاية ودون تطلعات إلى الآفاق التطورية المستقبلية.
وليس عنف الهندوتفيين ذا وجه واحد ومكرساً على اتجاه من انتهاك حرمات المسلمين وقتلهم، وإحراق البيوت وتدميرها، واستهداف مساجدهم، ومراكزهم التعليمية فحسب، ولكنه يتنوع في خطواته الإجرامية، فكان من شبكاته العنيفة أن تبتدأ رحلته العنيفة من المؤسسات التعليمية بين أجهزة الإعلام، وأجهزة الإدارات الرسمية، ولجان الانتخابات، والمحاكم، وزج الشباب المسلمين بالسجون باسم الإرهاب المفترض الموهوم إلى معركة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، والحرق والتدمير، والنهب والسلب، وتمزيق الحجاب للمسلمات.
«الهندوتفا».. ما هي؟
صفحات مليئة بسفك الدماء والإبادة
إذا أطللنا على مشاهد عنيفة حيكت خيوطها بأيدي المتحمسين للهندوتفا من خلال نشأتها الأولى منذ عام 1915م عبر الإقامة بالمجلس الهندوسي لعموم الهند (Hindu Mahasabha)، وأعقبتها منظمة «آر إيس إيس» عام 1925م، قمنا حيارى مشدوهين بما اقترف الهندوتفيون من قتل ونهب وتخريب واسع، ودمار شامل وأعمال العنف والمجازر، عندما نالت الهند استقلالها من الاستعمار وانقسمت بين دولتين؛ الهند وباكستان عام 1947م، التي أضرم نيرانها الهندوتفيون في أرجاء البلاد كلها، وخاصة في كشمير وجامو، والبنجاب، ومدينة دلهي، وفي بعض مناطق بنغال الغربية.
وحسب الإحصاءات غير الرسمية، كان عدد القتلى المسلمين بين رجال ونساء وأطفال يتراوح نصف مليون نسمة، وأضيف إلى ذلك العدد الكبير من نساء مسلمات وفتيات أكثر من مائة ألف، معظمهن من المسلمات اللاتي اختطفهن المشاغبون المنتمون إلى أيديولوجية الهندوتفا المتطرفة.
تقول الكاتبة شهيرة بيغم أنيس قدوائي في كتابها «في ظلال الحرية» باللغة الأردية: إن مدينة دلهي كانت جثة متلطخة بالدماء في أكتوبر ونوفمبر بعد استقلال الهند بقليل عام 1947م، وكانت النسور تنهش الأشلاء، ومعظمها من المسلمين القاطنين في مدينة دلهي منذ قرون، ولم يكن أي مكان مصوناً من المشاغبين الهمجيين، وحتى إن أصحاب الهندوتفا قاموا باغتيال مهاتما غاندي، في 30 يناير 1948م، وهو واحد من أكبر زعماء تحرير البلاد.
بث العنف عبر المؤسسات التعليمية
إن أصحاب الهندوتفا بعد استقلال الهند بدؤوا إقامة شبكات المؤسسات التعليمية، وجعلوا فيها المقررات الدراسية السامة التي لم تزل تسمم عقول آلاف الناشئين الهندوسيين بالأفكار الطائفية العنيفة، وتغذيهم ضد المسلمين والمسيحيين؛ لأن المسيحية والإسلام في نظرهم ديانتان أجنبيتان دخيلتان.
عبر أجهزة الإعلام
تتخذ القوى الهندوتفية وسائل الإعلام أداة طيعة لتحقيق أهدافها المغرضة، والكثير من قنوات الهند الفضائية ووكالات الأنباء يديرها أصحاب الهندوتفا المتحمسون لتصعيد الأيديولوجية المعادية لأكبر أقليات البلاد؛ لأن المسلمين في الهند يبلغ عددهم حوالي 300 مليون، أكبر عدد في بلدان العالم بعد، وينفق الكيان الهندوتفي لها أموالاً طائلة، ولذا نجد أن وسائل الإعلام الخاضعة لنظريات متطرفة تؤدي دوراً سلبياً لتشويه صورة الإسلام والمسلمين.
من خلال الاضطرابات الطائفية
الاضطرابات الطائفية أكبر سلاح للهندوتفيين، حيث يبلغ عددها قرابة 50 ألفاً، منها:
– اندلعت الاضطرابات في مدينة رانتشي في أغسطس 1967م، راح ضحيتها بين 156 مسلماً، و20 من غير المسلمين.
– في مدينة أحمد آباد بولاية غجرات، في سبتمبر 1969م، أسفرت عن قتل 430 مسلماً و24 غير مسلم.
– اضطرابات مدينة بنارس عام 1977م.
– اضطرابات جمشيد فور عام 1979م.
– اضطرابات مراد آباد عام 1980م، أسفرت عن قتل أكثر ألفي مسلم.
– اضطرابات نلي في ولاية آسام، في فبراير 1983م، راح ضحيتها 3 آلاف مسلم.
– اضطرابات بومباي عام 1993م.
– اضطرابات غجرات عام 2002م.
عبر التفجيرات
شهدت الهند أحداث التفجيرات في العقد الأول في القرن الحادي والعشرين على أوسع نطاق، قام بها عناصر الهندوتفا الإرهابيون في مختلف مدن البلاد، واستهدفوا المساجد والأحياء ذات الأغلبية المسلمة، ومن أشهرها التي وقعت في مدينة أجمير بولاية راجستهان عام 2007م، وفي مدينة ماليغاؤن مها راشترا عام 2006م، وفي مسجد مكة بمدينة حيدر آباد عام 2007م، وفي بداية الأمر وجهت السهام إلى الحركات الإسلامية، ولكن التحقيقات العادلة أزاحت الستار عن تورط الأفراد الذين بعضهم من إدارة المخابرات، وبعضهم من قوات الهند المسلحة.
ومن الملاحظ أن الكيان الهندوتفي له شبكات منظمة مدربة بأسماء مختلفة كأبهينو بهارت، وجيا فندا ماترم، وباجرنغ دل، وسناتن سنستا، وهندو جاغرتي ساميتي وغيرها من الحركات المدمرة التخريبية، التي تنهج منهج الصهيونية ضد الإسلام والمسلمين في الهند.
وخلاصة القول: إن استمرار العنف الهندوتفي يشكل خطرًا على مستقبل الهند كدولة ديمقراطية متعددة الثقافات، ومع ذلك، يظل الأمل قائمًا في وعي الشعوب وتمسكها بمبادئ العدل والتعايش السلمي، كخطوة أساسية نحو مواجهة هذه الأيديولوجيات المتطرفة.