بين الكلمة والسيف صراع طويل ممتد بامتداد التاريخ، قهر السيف كثيراً من الكلمات ووأدها في مهدها، وبرغم ذلك ظلت الكلمة هي الأكثر بقاء وتأثيراً وصناعة للتاريخ.
الكلمة بذرة قد تدوسها الأقدام الغليظة؛ فتدفنها في الطين، لكنها تستمر في هدوء في مدِّ جذورها ورفع سيقانها استعداداً للربيع.
فالكلمة هي صانعة التاريخ؛ النمرود بمُلكِه وسطوته وجبروته لم يصنع تاريخاً، وسيدنا إبراهيم بمفرده صنع التاريخ برسالته.
فرعون بمُلكِه وجنوده وسحرته وهامانه وقارونه لم يصنع تاريخاً، وسيدنا موسى الهارب المطارد الأعزل صنع التاريخ برسالته.
حين يتصارع السيف مع الكلمة، والبطش مع الرسالة؛ فإن السيف قد ينتصر على الكلمة مؤقتاً، ولكن الغلبة في النهاية للكلمة، والديمومة لها، وصناعة التاريخ بها.
كلمة إبراهيم علَتْ سيف النمرود، وكلمة موسى علَتْ سيف فرعون، وكلمة الحسين علَتْ سيف يزيد.
وإذا كان لا بد للحق من قوة تحميه، وللكلمة من سيف يحرسها؛ فقد يتأخر السيف؛ حتى تنضج الكلمة وترسخ وتنتشر، ويبلغ أتباعها سن الرشد بالاختبار والتجربة والتمحيص.
فكلمة سيدنا موسى حماها سيف داود بعد حين، وكلمة سيدنا المسيح حماها سيف قسطنطين بعد حين، وكلمة سيدنا محمد حماها سيف محمد بعد حين.
ولكن سيف البطش والطغيان لا تحميه ملايين الكلمات الزائفة.
أما الكلمة الصادقة فهي قطرات ماء متتابعة تُفتِّتُ صخور الجهل وتكلُّس العقول، وهي بذرة تحمل حياة مؤجلَة.
إذا كنت لا تحمل سوى الكلمة فكن أميناً عليها وتعهدها بالرعاية، وسيأتي يوم يحميها سيف.