حاول مجيب الرحمن أن يسوق لنوع فاسد من الرأسمالية الحكومية، باعتبارها صورة من صور الاشتراكية، ولكنها في الحقيقة رأسمالية الحاكم وحزبه، وقد قدم هذا النهج الشاذ باعتباره اشتراكية في أيديولوجية رباعية للدولة ابتكرها هو وسماها «المجيبيته»، نسبة إلى اسمه مجيب تتكون من 4 أضلاع، على حد زعمه، هي: الديمقراطية والقومية والاشتراكية والعلمانية، وقد أربكت تلك الأيديولوجية المشوهة الناس والحكومة والمجتمع بأسره، وفي الوقت نفسه غذت الفساد والإفساد في الدولة.
وبرغم افتقاره إلى المعرفة بالسياسة الدولية وفن الحكم الرشيد، أظهر مجيب، ككل الطغاة، شبقاً رهيباً للسلطة المطلقة، أدى في النهاية إلى حتفه وحتف نظامه، فقد دمر بشكل شبه كامل الصناعات التي تديرها الدولة وشبكات الاتصالات والمؤسسات المالية في وقت كانت فيه البلاد في حاجة ماسة إلى تخطيط أفضل، لم تؤد عدم كفاءة وفساد مجيب وإدارته إلى تفاقم المشكلات وحسب، ولكنها أوصلت البلاد في عام 1974م إلى مجاعة مفجعة في أنحاء البلاد أودت بحياة مئات الآلاف من البشر.
فساد أبناء الشيخ مجيب
في تصدٍّ ناجح لمجموعة من اللصوص أثناء سطو مسلح على أحد البنوك، قبضت الشرطة البنغالية على الشيخ كمال مجيب الرحمن الذي كان يقود بنفسه عصابة للسطو على أحد البنوك، وقعت هذه الحادثة في منطقة تسمى موتيجيل، حيث تبادلت الشرطة إطلاق النار مع اللصوص الذين كانوا يحاولون الفرار، وأثناء الاحتجاز، تم تحديد الهويات، وفوجئت الشرطة بوجود الشيخ كمال نجل مجيب الرحمن بين اللصوص.
حاولت الشرطة التغطية على الحادث، ولكنه تسرب؛ لأن كمال مجيب نفسه أصيب بعيار ناري، ولذلك اضطرت تقديم تفسير رسمي مفاده أنه بينما كانت الشرطة تطارد اللصوص، كان الشيخ كمال وأصدقاؤه بالصدفة في نفس المنطقة، حيث وقعوا ضحية لإطلاق نار متبادل بين الشرطة واللصوص الهاربين، هذه حادثة مشهورة في بنغلاديش.
وقد حاول الشيخ كمال، المولود في 5 أغسطس 1949م، أن يخوض مجال الأعمال التجارية بعد التخرج دون جدوى، وفي نهاية المطاف، رقاه والده ليشغل منصب أمين عام الاتحاد الرياضي في بنغلاديش.
اتهم كمال أيضاً باختطاف نيمي داليم وزوجها، شريف الحق داليم، من نادي سيدات دكا ونقلهما إلى مقر الحرس الوطني جاتيا راكي باهيني.
أما الابن الثاني لمجيب وهو الشيخ جمال، فقد أرسل إلى أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية الشهيرة عالميًا في إنجلترا في سن العشرين للتدريب العسكري حتى يتمكن بعد الانتهاء من التدريب من تولي دور قيادي فيما أطلق عليه الشيخ مجيب «جيشي»!
فساد الشيخة حسينة
ظهر فساد الشيخة حسينة مبكراً حيث تورطت في إحدى أكثر حالات الفساد شهرة، وهي فضيحة جسر بادما، فقد تم الكشف عن تورط حسينة وأفراد عائلتها في مخطط اختلاس ضخم، حيث قاموا بسحب ملايين الدولارات من مشروع جسر بادما، وهو مشروع رئيس لتطوير البنية التحتية في بنغلاديش، وهذه الفضيحة لم تلطخ صورة الحكومة فحسب، بل تسببت أيضًا في أضرار جسيمة لاقتصاد البلاد.
وحديثاً، اتُهمت حسينة وعائلتها باختلاس 5 مليارات دولار من محطة روبور للطاقة النووية، وتساءلت المحكمة العليا في بنغلاديش عن تقاعس لجنة مكافحة الفساد (ACC) عن التحقيق في تحويل 5 مليارات دولار من محطة الطاقة إلى بنك ماليزي من قبل حسينة وابنها سجيب وازيد جوي، وابنة أختها ووزيرة الخزانة البريطانية توليب صديق، وقالت لجنة مكافحة الفساد: إنها بدأت تحقيقًا في مزاعم الفساد والاختلاس وغسيل الأموال في محطة الطاقة.
عائلة مجيب الرحمن
أصبح الأخ الوحيد للشيخ مجيب، الشيخ عبدالناصر، أكبر مقاول في منطقة خولنا في عام 1975م بعد أن كان فقيراً فقراً مدقعاً.
وعين زوج إحدى شقيقات مجيب الرحمن، إيه تي إم سيد حسين، مسؤولاً عن التعيينات والترقيات ونقل الموظفين المدنيين، كما عُيِّن زوج أخت أخرى لمجيب، وهي عبدالرب سرنيابات، وزيراً في مجلس الوزراء.
ابن أخت الأمة
وترقى الشيخ فضل الحق موني، ابن أخت الشيخ مجيب، الذي يطلق عليه البنغاليون تهكماً «ابن أخت الأمة»، من منصب مراسل صحفي قبل التحرير إلى منصب رئيس تحرير صحيفة «بنغلاديش تايمز»، ورئيس رابطة الشباب الوطنية.
وبعد التحرير، قام ببناء شبكة من المنظمات الشبابية بصفته رئيسًا لرابطة الشباب الوطنية التي أسسها خاله مجيب، وتم السماح لأتباعه بحمل السلاح على الرغم من أن مجيب الرحمن كان قد جمع الأسلحة من جميع الجماعات المسلحة التي قاتلت الباكستانيين خلال حرب التحرير.
وفي سن الرابعة والعشرين، حصل الشيخ شهيد الإسلام، ابن شقيقة مجيب الرابعة، على رتبة وزير في حكومة عام 1975م، ثم تولى مسؤولية رابطة طلاب مجيب، وكان على اتصال وثيق بعدد من الشركات الخاصة بصفته مديراً لها.
وقد انتشرت شائعات مفادها أن زواج شهيد الإسلام من ابنة السيد صالحين، الذي كان مديرًا إداريًا لأحد البنوك الذي ينتمي إلى عائلة بنغالية عريقة من الطبقة المتوسطة العليا، كان نتيجة للضغوط التي مارسها مجيب نفسه عندما أظهر صالحين تردده بشأن الزواج.
انتشر الفساد في ظل حكومة مجيب انتشاراً هائلاً، وكانت له عواقب بعيدة المدى على تنمية وحكم البلاد، وقد افتقرت قيادته للشفافية واتسمت بالفساد والمحسوبية، وظهرت على السطح فضائح فساد كثيرة خلال فترة حكمه من بينها اختلاس المساعدات الخارجية التي تلقتها البلاد في أوائل السبعينيات، بحسب تقرير صادر عن مؤسسة بروكينجز، كما اتسمت حكومة مجيب بغياب الضوابط والتوازنات؛ ما سمح له بتعزيز سلطته وقمع المعارضة.
وقد أرجع تقرير البنك الدولي لعام 1976م عن الوضع الاقتصادي في بنغلاديش الذي سلط الضوء على مشكلات الفساد لسوء الإدارة أثناء فترة حكم مجيب، وأشار التقرير إلى أن اقتصاد البلاد كان في حالة يرثى لها، مع ارتفاع التضخم، وعجز تجاري كبير، ونقص الاستثمار في القطاعات الرئيسة مثل الزراعة والصناعة.
كانت نتيجة الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة وهي نواتج طبيعية للدكتاتورية التي مارسها مجيب الرحمن، ليس انتشار الفقر فقط، ولكن نتج عنها أيضاً مجاعة أودت بحياة ما يقارب المليونين من البشر؛ مجاعة عام 1974م في بنغلاديش.
________________________
1- The India Observer.
2- The Decline and Fall of Sheikh Mujibur Rahman, 1972–1975- Springer.
3- India today.