لطالما كانت المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني أحد الثوابت التي شكلت محور السياسة الإقليمية لكل من «حزب الله» اللبناني و إيران، وتسود المنطقة العربية تحديات كبيرة على صعيد الأمن السياسي والعسكري، ومن أبرز هذه التحديات العدوان الصهيوني المستمر على فلسطين وغزة بالتحديد، والتطورات في ملفات أخرى كالتوترات في لبنان وسورية والعراق.
ومن المعروف أن «حزب الله» اللبناني و إيران يعدان من أبرز القوى المقاومة في المنطقة التي تعارض الهيمنة الصهيوأمريكية، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت نوعاً من الانكفاء أو التراجع على مستوى التصدي المباشر للعدوان الصهيوني من قبل هاتين الجبهتين، ولعل ذلك مرده إلى العديد من الأسباب على رأسها اتفاق الهدنة الذي رعته الحكومة اللبنانية لوقف التصعيد على جبهة لبنان، وتخوف طهران من تحالف غربي أمريكي صهيوني يستهدف الدولة ال إيرانية، وبرنامجها النووي؛ ما يكلفها أثماناً باهظة لا تقوى على مجابهتها في هذا التوقيت الذي يصب في خدمة دولة الاحتلال نتيجة الدعم اللامحدود الذي تحظى به دولياً وعالمياً، إلى جانب أسباب أخرى.
أسباب وتحديات
1- الضغوط الإقليمية والدولية: من الواضح أن «حزب الله» و إيران يواجهان ضغوطاً إقليمية ودولية كبيرة في الوقت الراهن، ففي لبنان يعاني «حزب الله» من التأثيرات الخارجية، مثل الضغط الغربي والعقوبات الاقتصادية التي أثرت على قدرته على اتخاذ قرارات عسكرية كبيرة، أما إيران فإنها تمر بفترة من العزلة الدولية نتيجة للعقوبات المشددة التي تتعرض لها بسبب برنامجها النووي الذي يثير قلق دولة الاحتلال والقوى الغربية والعظمى، وهذه الظروف قد تجبرهما على اتخاذ مواقف أكثر حذراً في مواجهة العدوان الصهيوني.
2- التهديدات العسكرية الصهيونية المتصاعدة: لقد أظهرت دولة الاحتلال استعداداً متزايداً للقيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق ضد «حزب الله» و إيران، خاصة بعد حرب غزة، وتطور قدرات الجيش الصهيوني وصواريخه الدقيقة، ووجود تحديثات في إستراتيجيات الحرب على أكثر من جبهة، وقد يكون «حزب الله» و إيران يدركان حجم هذه الأخطار التي قد تنجم عن تصعيد شامل مما يهدد مصالحهما الإستراتيجية.
3- التحديات الاقتصادية الداخلية: يعاني كل من «حزب الله» و إيران من أزمات اقتصادية خانقة، ففي لبنان يعاني الحزب من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على قدراته في دعم جبهات القتال بشكل فعّال، و إيران، من جانبها، تواصل مواجهة عقوبات اقتصادية شديدة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها؛ ما يعوق قدرتها على تمويل عملياتها العسكرية في المنطقة.
4- التحولات في الديناميكيات الإقليمية والدولية: على الصعيد الإقليمي، هناك تطورات كبيرة في تحالفات القوى الكبرى، ولعل تطبيع العلاقات بين دولة الاحتلال وبعض الدول العربية، قد يجعل إيران و«حزب الله» أكثر حذراً من التورط في نزاع قد يساهم في تعزيز تلك التحالفات ضدهما، كما أن تطورات السياسة الدولية، مثل الحرب في أوكرانيا أو التوجهات الغربية في التعامل مع الصراع في الشرق الأوسط، تضع ضغوطًا إضافية على هذه القوى للمحافظة على موقف دفاعي أكثر.
5- الإستراتيجية الدفاعية وحروب الوكالة: «حزب الله» و إيران قد يفضلان استثمار جهودهما في دعم حروب الوكالة في سورية والعراق واليمن، حيث يتمكنان من مواجهة دولة الاحتلال بشكل غير مباشر عبر حلفائهما المحليين، وهذه الإستراتيجية لا تقتصر على توفير الموارد، بل تساعد في الحد من التورط المباشر في حرب شاملة قد تكون لها تداعيات كبيرة.
6- إستراتيجية التوازن: يمكن النظر إلى سياسة التراجع أو الانكفاء في مواجهة «حزب الله» و إيران على أنها جزء من إستراتيجية التوازن، حيث يحاول «حزب الله» و إيران تجنب تصعيد المواجهات مع دولة الاحتلال بشكل مباشر، في وقت يركزان فيه على تعزيز قوتهما المحلية والإقليمية، وهذه الإستراتيجية قد تهدف إلى خلق وضع ميداني لا يسمح لدولة الاحتلال بتحقيق انتصارات واضحة، وفي الوقت ذاته تجنب خسائر كبيرة قد تؤثر على قوة المقاومة في المستقبل.
تأثيرات وتداعيات
تبرز العديد من التأثيرات والتداعيات التي قد تترتب على هذا الانكفاء والتراجع لمواجهة «حزب الله» و إيران على المقاومة في غزة، ولعل أهمها:
1- التأثير السلبي على روح المقاومة ومعنويات مقاتلي المقاومة في لبنان وفلسطين، والتأثير السياسي على التحالفات، فالعديد من حركات المقاومة الحليفة ل إيران و«حزب الله» أو التي تدعمها قد تشعر بالإحباط، خاصة إذا كانت تنتظر دعماً مباشراً منهما في مواجهة العدوان الصهيوني، وهذا الانكفاء قد يعطي انطباعًا بأن هذه القوى تراجعت عن دعم حركات المقاومة التي تواجه العدوان الصهيوني.
2- التأثير على التنسيق العملياتي ما بين «حزب الله» والمقاومة في غزة على الهجمات على دولة الاحتلال، ووقف المقاومة أو تراجعها وانكفاؤها قد يؤدي إلى توقف هذا التنسيق أو تراجعه؛ ما يقلل من فعالية العمليات المشتركة.
3- تعزيز إستراتيجيات مقاومة جديدة في فلسطين؛ حيث إن هذا الانكفاء قد يشجع بعض قوى المقاومة الفلسطينية على تعزيز إستراتيجياتها الخاصة بها، دون الاعتماد على الدعم الخارجي المباشر؛ لأنها ستجد نفسها مضطرة للبحث عن مصادر دعم أخرى، أو تفعيل تحركاتها العسكرية بشكل أكبر، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة التوترات بين الفصائل الفلسطينية، ولكن في الوقت نفسه يمكن أن يؤدي إلى تحرك أكثر استقلالية تجاه العدوان الصهيوني.
4- التركيز على تعزيز وجودهما في جبهات أخرى مثل سورية والعراق، حيث لا يزال «حزب الله» و إيران يعملان على دعم الحركات المناهضة للوجود الصهيوأمريكي في المنطقة، وهذا التحول قد يؤدي إلى التركيز على التصدي لمحاولات التفوق الصهيوأمريكي في مناطق أخرى بدلاً من مواجهة العدوان الصهيوني بشكل مباشر.
5- الاستمرار في سياسة المقاومة غير المباشرة عبر دعم جبهات المقاومة الفلسطينية من خلال التدريب والتمويل والدعم اللوجستي والاستخباراتي، وتعزيز القدرات العسكرية، مع تجنب المشاركة المباشرة في الأعمال العسكرية ضد دولة الاحتلال، وهذه السياسة قد تمكنهما من الحفاظ على بقاء مقاومتهما في المنطقة دون أن تتسبب في انفجار كامل للجبهة الإقليمية.
بالمجمل، قد يكون لتوقف مقاومة «حزب الله» ومن ورائه إيران تداعيات معقدة تؤثر على توازن القوى في المنطقة، وقد تؤدي دورًا في إعادة تشكيل الديناميكيات السياسية والعسكرية في الصراع الفلسطيني الصهيوني، وقد يكون هذا التراجع أو الانكفاء ناتجًا عن مزيج من الحسابات السياسية والعسكرية والدبلوماسية، التي تسعى لتجنب الانزلاق إلى حرب شاملة، قد تكون لها نتائج سلبية على الحزب وعلى لبنان وإيران والمنطقة بشكل عام.