كاتب المدونة: محمد المبشر (*)
اليوم الثامن عشر من ديسمبر كان يحمل معه أجواء من الفرح والسعادة بين طلاب قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة سونان أمبيل الإسلامية الحكومية بإندونيسيا، احتفل الطلاب بفرح كبير بذكرى اليوم العالمي للغة العربية من خلال عديد من الأنشطة التي تهدف إلى تعزيز الكفاءة اللغوية، التي نظمتها عدة منظمات طلابية، يمثل اليوم العالمي للغة العربية مصدر فخر لهؤلاء الطلاب، كما أنهم يعتزون بدراسة اللغة العربية والانتماء إلى الأسرة الكبيرة لقسم اللغة العربية وآدابها بهذه الجامعة، وهم يحبون اللغة العربية كما يحبون أن تكونوا أجيال المسلمين.
فاللغة العربية لدى المجتمع الإسلامي بإندونيسيا تحتل مكانة متميزة؛ حيث تُعد لغة التراث الإسلامي ووسيلة أساسية للدراسات الإسلامية وشرطاً من شروط أداء بعض العبادات المحضة، وترتبط أهمية اللغة العربية في إندونيسيا بشكل مباشر بكونها أكبر دولة ذات غالبية مسلمين في العالم، إذ تشير الإحصاءات إلى أن عدد المسلمين في البلاد يتجاوز 200 مليون نسمة، وهو ما يعادل حوالي 88% من إجمالي السكان.
وقد أدى هذا الاهتمام الكبير باللغة العربية إلى انتشارها الواسع كإحدى اللغات الأجنبية الأكثر تعليمًا وتعلمًا في إندونيسيا، وتتبنى العديد من المؤسسات التعليمية تدريس اللغة العربية كمادة رئيسة، حيث أدرجتها الحكومة ضمن المناهج الوطنية الرسمية التي تشرف عليها وزارة التعليم والتربية ووزارة الشؤون الدينية، إذ أصبحت اللغة العربية تُدرّس في المدارس العامة والدينية من المرحلة التمهيدية إلى المرحلة الجامعية، سواء كانت حكومية أو أهلية.
فهذا هو قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة سونان أمبيل الإسلامية الحكومية بإندونيسيا قام بسلسلة مظاهر الاحتفال لذكرى «اليوم العالمي للغة العربية»، حيث نظّم الفعاليات الثقافية، والأمسيات الشعرية، وبعض المسابقات اللغوية كما قام بالندوات العلمية التي تسلط الضوء على أهمية اللغة العربية في العالم الإسلامي وفي بناء جسور التواصل بين الشعوب، ومن أبرز ما احتفل به هذا القسم من أجل ذكرى هذا اليوم العظيم أنه نظم عرضاً مسرحياً عربياً بهدف تنمية المحبة بثقافة اللغة العربية وترقية كفاءتها لدى الطلاب.
في يوم الخميس الموافق 12 ديسمبر 2024م، نظم قسم اللغة العربية وآدابها عرضًا مسرحيًا قدمه طلاب الفصل الخامس ضمن إطار مشروعهم النهائي في مادة المسرحية، وذلك بمناسبة الاحتفال بـ«اليوم العالمي للغة العربية»، تمحورت المسرحيات حول 4 موضوعات، هي: «يوسف وقلبه الملائكي»، و«فتاة بائعة الحليب»، و«جزاء الراعي»، و«ألف ليلة وليلة»، وأقيم هذا العرض في الحرم الثاني لجامعة سونان أمبيل بمدينة سورابايا، وقد بدت حماسة الحضور واضحة حيث امتلأت أجواء المسرح بالمشاركين منذ لحظات ما قبل انطلاق الفعالية.
وافتتح الحدث د. عبدالله عبيد، بصفته رئيس قسم اللغة العربية وآدابها، وأدار الفعالية د. فطن مشهود، فأوضح د. فطن أن هذا العرض المسرحي يعد جزءًا من منهاج مادة دراسة المسرح التي تتناول دراسة النصوص المسرحية وتمثيلها مع التطبيق على خشبة المسرح، وشدد على ضرورة تمكن الطلاب من تجسيد النصوص المسرحية بشكل إبداعي أمام الجمهور.
بدأ العرض الأول من طلاب الفصل (أ) بمسرحية مستوحاة من قصة يوسف عليه السلام كما وردت في القرآن الكريم، ممزوجة بواقع اجتماعي وثقافي حديث، تلاه عرض ثاني من الفصل (ب) حول قصة فتاة بائعة الحليب الشهيرة التي وقعت في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أما العرض الثالث من الفصل (ج) فكان حول عقاب الراعي الظالم وما ترتب على أفعاله من ندم، واختتمت العروض من الفصل (د) بمسرحية مقتبسة من إحدى حكايات «ألف ليلة وليلة»، التي تعتبر جزءًا من التراث الأدبي العربي.
تميز الطلاب بأداء حواراتهم باللغة العربية الفصحى التي كانت مفهومة وسلسة بالنسبة للجمهور، ورغم قصر فترة التحضير، فإنهم نجحوا في تقديم أداء متميز ومبهر أثار إعجاب الحاضرين الذين أبدوا تفاعلهم المتنوع بين التصفيق والضحك على المشاهد الكوميدية، وحتى صيحات التعاطف في اللحظات التراجيدية.
وفي إطار الاحتفال بـ«اليوم العالمي للغة العربية»، يُؤمل أن يسهم هذا العرض المسرحي في تعزيز حضور اللغة العربية في النشاطات الأكاديمية، لا سيما في مجال المسرح، ويسعى قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة سونان أمبيل الإسلامية الحكومية، من خلال فعالياته السنوية من مظاهر هذا الاحتفال، إلى ترسيخ دراسة اللغة العربية وآدابها عبر مسابقات متعددة تشمل الخطابة، والمناظرة، والشعر، والعروض المسرحية باللغة العربية.
ولعل أجمل ما يميّز هذا الاحتفال هو وحدة المشاعر التي تجمع بين الطلاب، حيث يؤمن الجميع بأن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي لغة الهوية والروح، تظل هذه المناسبة فرصة لتجديد العهد مع اللغة العربية، وتعزيز الشغف بتعلمها، والعمل على نشرها بين الشباب في كل أنحاء العالم كجسر للحضارة والنهضة.
____________________
(*) محاضر بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة «سونان أمبيل» الإسلامية الحكومية بسورابايا، إندونيسيا.