بدأ مؤخرًا عرض مسلسلات تصور المسلمين بصور نمطية سلبية ليست من الحق والحقيقة في شيء، وسنعرض لأبرز الأمور التي ناقشتها وتمحورت حولها شخصية الرجل المسلم أو المرأة المسلمة، فيما أسماه القائمون على تلك المسلسلات بالمتدينين، وإلى أي مدى يعد ذلك التصوير غير عادل ولا يمثل الواقع:
1- التصوير النمطي للمرأة المسلمة لا يكاد ينتهي حتى يبدأ:
فهي إما تلك الشخصية المغلوبة على أمرها، التي تنفذ أوامر والديها في قرارات مصيرية تخصها كالتعليم والزواج دون إبداء أي رأي أو اعتراض، أو هي امرأة متسلطة متجبرة ظالمة، تتبع من أوامر الله سبحانه، والنبي صلى الله عليه وسلم، ما يتيسر لها ويكون على هواها، وتخالف ما هو غير ذلك.
والمرأة المسلمة لها حق الاختيار في مسألة التعليم أو الزواج أو أي موضوع آخر طالما ليس فيه ما يخالف شرع الله تعالى.
2- النزعة الذكورية عند النساء المحافظات:
فتجد النساء المحافظات يعظمن من قيمة الرجال ومقامهم لمجرد أنهم ذكور، فتجد الحماة مثلًا -التي من المفترض أنها تمثل دور الدينة التقية- في كثير من المسلسلات لا تنصف زوجة ابنها عند تعرضها للخيانة أو الظلم لمجرد أن الخائن هو ابنها، ولا تنفك تعذره وتبرر له، وتراها تبرر خطأ الرجال بصفة عامة وتحابيهم لمجرد أنهم رجال، وعلى الصعيد الآخر، تجد الشخصيات النسائية اللاتي يمثلن النزعة النِّسوية يساندن المرأة سواء أحسنت أو أساءت.
وكلتا الوجهتين مخالفة لما أتت به عقيدتنا حيث يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).
3- تغير المرأة المحافظة يخالف الشرع:
إظهار الفتيات الشابات المحجبات وهن يقمن بتصرفات مخالفة تمامًا للشرع، فيظهرون المحجبة وهي تقع في علاقة حب غير شرعية قبل زواجها، وتبدأ في إساءة الأدب والتطاول على والديها، وفي قصة أخرى يتم تصويرها وهي في بيت وحدها مع رجل أجنبي عنها.
4- الشخصيات المحبوبة في المسلسلات هي عادة غير المتدينة:
معظم الشخصيات المحببة إلى قلب المشاهدين التي تتحلى بالأخلاق الحميدة وتقوم بالمواقف النبيلة هي من الشخصيات العادية التي لا علاقة لها بالدين، وهي ذاتها التي ترتكب المحرمات من شرب الخمر والزنى وعدم الالتزام بالحجاب الشرعي والخوض في علاقات محرمة قبل الزواج، فهناك محاولة واضحة لتجميل وتزيين المعاصي والمحرمات في صورة شخصيات لطيفة حسنة المعشر، لكنها ترتكب المعاصي، وتستحل ما حرم الله!
وأما الخائن والكذاب واللئيم والمؤذي والظالم فهو غالبًا ما يكون من المحافظين، وإذا كان هناك تصوير لشخصية محافظة سوية لا ترتكب الحرام فغالبًا ما تكون شخصية ثانوية لا تأثير يذكر لها سواء على غيرها من الشخصيات أو على مسار الأحداث.
5- تجميل كبيرة الزنى وتشويه سمعة الطلاق:
نرى بعض الشخصيات النسائية من المحافظات لا يرين مشكلة في أن يرتكب زوجها الفاحشة عدة مرات طالما كانت على ذمته كزوجة ولا ينوي تطليقها! بل وتهاجم الطلاق وكأنه هو العيب والحرام، ويدافعن عن الفاحشة على أنها خطأ عادي لا غضاضة في ارتكابه من حين لآخر طالما لم يهجر الرجل زوجته أو يطلقها!
6- التنديد بفكرة الزواج المبكر للمرأة:
يبرزون حرص العائلات المحافظة على تزويج بناتهن في أعمار ما تحت العشرين على أنه أمر غير إنساني وينتهك حق المرأة في التعليم وبناء حياة كريمة، وهذا التعميم السطحي المطلق ينافي الواقع جملة وتفصيلًا، فكثير من الفتيات اللاتي تزوجن مبكرًا وأنجبن وربما أكلمن تعليمهن لاحقًا سعيدات في زواجهن، وكثيرات كذلك ممن تأخرن زواجهن غير سعيدات بل وطُلقن، والعكس قطعًا موجود على كلا الصعيدين، أما الخلاصة فهي أن الأصل في أخذ قرار الزواج هو أن يكون تبعًا للشروط الشرعية التي بيّنها لها إسلامنا لا تبعًا لرغبات البشر وهوى النِّسوية.
7- حصر التدين في الملابس المحتشمة وذكر بعض الآيات والأحاديث:
إن الالتزام بالحجاب الشرعي فرض على كل امرأة مسلمة، وقضية غير قابلة للنقاش كأي فرض فرضه الله سبحانه وتعالى على أي مسلم، وكذلك ذكر آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور المهمة بمكان، بيد أن المشكلة تكمن في تقييد صورة المسلم أو المسلمة في قيامهم بتلك الأمور الظاهرية فحسب، ثم غض الطرف عن جوهرية ممارسة العقيدة الإسلامية في الحياة العملية قولًا وفعلًا، وكونه جزءاً لا يتجزأ من حياة المسلم، ولا ينحصر في إقامة شريعة، وتأدية فرض، وقراءة القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة!
فحبذا لو تتوقف الدراما عن حصر صور الرجل المسلم في حرصه على أداء الصلاة وذكر الآيات والأحاديث، ثم تظهره عنيفًا قاسيًا يخشى أبناؤه من مناقشته والحديث معه، كما قد هرمنا نحن النساء المسلمات من تصوير المرأة تارة كونها ضحية مجتمع قاسٍ لا يرحم، أو كونها امرأة متجبرة لا تطبق من الدين إلا ارتداء الحجاب وإقامة الصلاة، وهي التي لا يسلم من حولها من لسانها وأذاها.
لكم نتمنى من القائمين على أي عمل درامي -في زمن اكتسحت فيه وسائل التواصل وشاشات التلفزة ومنصات المشاهدة الإلكترونية أجهزتنا وبيوتنا وعقولنا- أن يصيروا أكثر إنصافًا وواقعية في رسمهم لصورة الإسلام والمسلمين وفي تعاطيهم وتأوليهم لكلام الله عز وجل وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.