في خضم التغيرات الجذرية التي تشهدها سورية بعد الإطاحة بنظام الأسد، أصبحت دمشق محط أنظار الدبلوماسية الإقليمية والدولية، حيث تتوالى الزيارات واللقاءات في إطار البحث عن استقرار البلاد ورسم ملامح مستقبلها السياسي، هذا الحراك المكثف يعكس الاهتمام الإقليمي والدولي بإعادة بناء العلاقات وتعزيز التعاون مع الإدارة السورية الجديدة.
زيارة مجلس التعاون الخليجي
في هذا السياق، زار وفد مجلس التعاون الخليجي برئاسة وزير الخارجية الكويتي عبدالله اليحيا دمشق يوم الإثنين 30 ديسمبر الماضي، وأوضح الوفد أن زيارته تهدف إلى نقل رسالة موحدة بدعم سورية سياسيًا واقتصاديًا وتنمويًا، مؤكدًا جدية دول الخليج في دعم سورية وشعبها.
وقال اليحيا، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي: زيارتي رسالة تضامن خليجية مع سورية، داعيًا المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات المفروضة على البلاد.
وأضاف أن الزيارة جاءت بناءً على تكليف مجلس التعاون للكويت بصفتها رئيسة الدورة الحالية، وتنفيذًا لمخرجات الاجتماع الوزاري الخليجي الأخير في الكويت.
وزير الخارجية رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري لمجلس التعاون عبدالله اليحيا يصل إلى دمشق يرافقه الأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي على رأس وفد رفيع المستوى
— كونا KUNA (@kuna_ar) December 30, 2024
– الزيارة في إطار التوصيات الصادرة عن المجلس الوزاري لمجلس التعاون تعبيرًا عن تمسك دول المجلس بالمبادئ الأساسية التي… pic.twitter.com/KTyrcSRbEH
حراك دبلوماسي أردني
في 23 ديسمبر 2024م، زار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي دمشق والتقى بالقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، وركز اللقاء على التعاون لمكافحة تهريب المخدرات والأسلحة عبر الحدود المشتركة التي تمتد إلى 375 كيلومترًا.
وأكد وزير الاتصال الحكومي الأردني محمد المومني أن الموقف الأردني يعبر عن عمق العلاقات بين البلدين، مشيرًا إلى أن استقرار سورية ينعكس إيجابًا على أمن الأردن.
وكان العاهل الأردني عبدالله الثاني قد شدد على دعم الأردن للشعب السوري، وأكد وقوف الأردن إلى جانب السوريين واحترام إرادتهم، داعيًا لتجنب انزلاق البلاد نحو الفوضى.
نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي يجري مباحثات موسعة مع القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع
— قناة المملكة (@AlMamlakaTV) December 23, 2024
الصفدي أول وزير خارجية عربي يلتقي الشرع في سوريا وعددا من المسؤولين السوريين#الأردن #سوريا #دمشق #هنا_المملكة pic.twitter.com/k0KoF6XPHI
عودة قطرية إلى دمشق
في تطور آخر، أرسلت قطر وزير الدولة بوزارة الخارجية محمد الخليفي إلى دمشق، في زيارة تعكس التزام الدوحة بتقديم الدعم للشعب السوري.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية أن الزيارة تجسد الموقف القطري الثابت، معلنًا إعادة فتح السفارة القطرية في دمشق بعد 13 عامًا من الإغلاق.
وكانت قطر قد أغلقت سفارتها في يوليو 2011م إثر الحملة التي شنها نظام الأسد على المحتجين.
لحظة وصول القائم بالأعمال القطري خليفة عبدالله آل محمود الشريف إلى مبنى السفارة في العاصمة السورية دمشق ورفع العلم القطري pic.twitter.com/qm17qVc3sN
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) December 21, 2024
أول زيارة رسمية للإدارة السورية الجديدة
في أول زيارة رسمية للخارج، وصل وفد سوري برئاسة وزير الخارجية أسعد حسن الشيباني إلى الرياض، يوم الأربعاء الأول من يناير 2025م بدعوة من نظيره السعودي.
وعبر الشيباني، على منصة «إكس»، عن أمله في أن تفتح الزيارة صفحة جديدة ومشرقة في العلاقات السورية-السعودية، وضم الوفد وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة أنس خطاب.
وتأتي هذه الزيارة بعد لقاء جمع وفدًا سعوديًا مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق الشهر الماضي.
عوامل الانفتاح العربي على سورية
قال الكاتب والباحث السياسي الأردني حازم عياد: إن الانعطافات الحادة في الموقف العربي تجاه سورية جاءت نتيجة تحولات سريعة ومتلاحقة.
وأوضح عياد، في حديثه لـ«المجتمع»، أن سقوط نظام الأسد لم يكن حدثًا متوقعًا لدى الدول العربية، حيث اتجهت أغلبها نحو الانفتاح على النظام المخلوع، وعملت على تطوير علاقاتها معه خلال الأشهر، بل وحتى الأسابيع الأخيرة من عمره.
وأشار إلى أن الصدمة والذهول كانا السمتين البارزتين في مواقف الدول العربية، حيث سعت هذه الدول إلى استيعاب المشهد وتداعياته على أمنها وأجنداتها السياسية، لا سيما تلك التي راهنت على بقاء النظام حتى اللحظات الأخيرة.
وأضاف أن التحركات الإقليمية السريعة أدت دورًا في تغيير المشهد، خصوصًا مع انفتاح تركيا وقطر على إدارة العمليات في سورية، إلى جانب روسيا التي سارعت إلى فتح قنوات للتواصل مع الإدارة الجديدة، معتبرة إياها أمرًا واقعًا.
وبيّن عياد أن هناك تخوفًا لدى الدول العربية من استعادة إيران توازنها الإقليمي بعد أزمتها، ومن انفتاحها على الإدارة السورية بشكل يكسر عزلتها، هذا التخوف زاد مع تحرك الدول الأوروبية والولايات المتحدة للتواصل مع سورية، متجاوزة مقررات قمة العقبة التي جمعت الدول العربية والأوروبية إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي.
وأوضح أن هذه الديناميكيات دفعت الدول العربية إلى مراجعة إستراتيجياتها تجاه سورية، التي اتسمت سابقًا بالتحفظ المبالغ فيه، لافتاً إلى أن بعض الدول العربية وصلت إلى حد إظهار معارضة شديدة للقوى التي قادت التغيير بذريعة انتمائها الإسلامي.
وبين أن أحد العوامل التي شجعت الانفتاح العربي كان التفاعل الإيجابي للشعب السوري مع الإدارة الجديدة، ومحدودية المقاومة التي أبداها النظام السابق وفلوله، إضافة إلى نجاح الإدارة السورية في ضبط الأمن، والتحكم بتحركاتها العسكرية والسياسية، وتجنب ردود الفعل الانتقامية، سواء تجاه الكيان «الإسرائيلي» أو تجاه المكونات السورية المختلفة.
وأشار عياد إلى أن الإدارة السورية تعاملت مع الدول العربية المتحفظة بسياسة دبلوماسية الطمأنة، حيث حرصت على إرسال رسائل تطمئن هذه الدول من دون اتخاذ مواقف تصعيدية، وهو ما ساعد في تجاوز العديد من العقبات أمام الانفتاح العربي.
واختتم عياد حديثه بالتأكيد أن هذا الانفتاح، رغم تطوره، لا يزال يحمل تحفظات من بعض الدول العربية التي تخشى العزلة أو فقدان التأثير في المشهد السوري الذي باتت القوى الإقليمية والدولية تتفاعل معه بفاعلية ونشاط كبيرين.
ثقل إقليمي ودولي
من جانبه، قال الباحث المصري في الدراسات الأمنية أحمد مولانا: إن سورية شهدت تطورات متسارعة على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، وأشار إلى أن من أبرز هذه التطورات على المستوى الإقليمي كانت الزيارة التي قام بها وفد من الإدارة السورية الجديدة إلى عدد من الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية.
وأوضح مولانا، خلال حلقة من «بودكاست إحاطة»، أن اختيار الرياض كأول محطة خارجية يعكس وجود مصالح مشتركة بين الإدارة السورية الجديدة والسعودية، وأضاف أن هذا التغيير يصب جزء كبير منه في صالح السعودية، في ظل تنافسها الإقليمي مع إيران، بينما تحتاج الإدارة السورية الجديدة إلى شركاء وحلفاء لدعم جهودها، خاصة في مجال إعادة الإعمار، الذي تقدر تكلفته بـ400 مليار دولار وفق تصريحات سابقة لمبعوث الأمم المتحدة إلى سورية.
وأكد مولانا أن السعودية، باعتبارها إحدى أكبر الدول العربية ذات الثقل الإقليمي والدولي، قادرة على التأثير في مواقف الدول الغربية والعربية، خاصة إذا دعمت التغيير في سورية واستثمرت فيه.
وتابع: إذا تبنت السعودية هذا التغيير، فهي قادرة على جذب دول أخرى في العالمين العربي والإسلامي، كما يمكنها الضغط على الدول الأوروبية لتخفيف أو رفع العقوبات المفروضة على سورية؛ ما يسهم في دفع عجلة التنمية وإعادة بناء الدولة.
وأضاف أن زيارة الوفد السوري إلى الرياض كانت لها أهمية خاصة، مشيرًا إلى طبيعة اللقاءات التي عكست حالة من التفاعل والتجانس بين الجانبين، وأوضح أن الرياض قادت حاليًا أضخم عمليات المساعدات الإقليمية، سواء عبر جسر جوي لطائرات شحن عملاقة أو جسر بري عبر الأردن.
وأشار مولانا إلى أن نظام الأسد كان يعتمد بشكل كبير على الوقود الذي يحصل عليه من إيران والعراق، لكن بعد التغيير، توقفت هذه الإمدادات؛ ما خلق حاجة ماسة للنفط، وقد بادرت الرياض بإرسال شحنات لدعم الوضع الجديد في سورية.
أما عن الموقف المصري، فأوضح مولانا أن القاهرة تخشى أن يلهم التغيير في سورية شعوب المنطقة بفكرة التخلص من الظلم وإنهاء الاستبداد، وأضاف أن هذا التخوف انعكس في مواقف سياسية وإعلامية حادة، إضافة إلى إجراءات فعلية مثل تقييد دخول السوريين إلى مصر.
وأشار إلى أن موقف مصر قد يظل متحفظًا تجاه التغيير في سورية ما لم تتعرض لضغوط من أطراف إقليمية، مثل السعودية، لإعادة تكييف موقفها.
وعن الدور التركي، أوضح مولانا أن تركيا تؤدي دورًا محوريًا في تحسين علاقات الدول مع الإدارة السورية الجديدة، وأضاف أن تركيا بذلت جهودًا لتليين الموقف الإماراتي، حيث قام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بزيارة إلى أبوظبي، أعقبها اتصال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، ثم زيارة رئيس أركان الجيش التركي مع وفد عسكري إلى الإمارات، وأكد أن هذه التحركات تهدف إلى تغيير الموقف الإماراتي تجاه المستجدات في سورية.
💢 وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يلتقي مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق.😎
— Muhammet Erdoğan 🇹🇷- محمد أردوغان (@Muhamed_Erdogan) December 22, 2024
اللهم الف بين قلوب المسلمين الاحرار 🤲
pic.twitter.com/lRufDtEbR3