لا تخلو الحياة من مصاعب وشدائد، تصيب الإنسان بالهم والحزن، وإن الإسلام لم يفرض على الإنسان أن يكون مثالياً بشكل دائم، بل إن هذا الدين من مميزاته أنه اعترف بأحوال الإنسان المتنوعة، ورعاها، وشرع لها ما يلائمها ولا يحجر أو يضيق عليها، بل حدد لها ما يعالج مشكلاتها ويرقى بأحوالها.
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثال في هذه الأحوال جميعاً، حتى نقتدي به في كل شيء، ومن الأحوال التي تتعرض لها النفس دائماً حال الشدة والاهتمام لبعض الأمور، وفيما يأتي بيان حاله صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر من هذه الأمور:
1- فزع إلى الصلاة:
روى الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه، وحسن الحديث الإمام الألباني، عَنْ حُذَيْفَةَ بن اليمان رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى»، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان حين يشغله أمر مهم يصلي؛ لأن الصلاة تهدئ النفس وتطمئن القلب، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد الراحة والسكينة فإنه يلجأ إلى الصلاة، ففي مسند أحمد، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ، أَنَّه سمع النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «يَا بِلَالُ، أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»، فعلى من أهمه أمر أن يفزع إلى الصلاة، حتى ييسر الله له أمره ويقضي حوائجه.
2- رفع طرفه إلى السماء وقال: «سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ»:
روى النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ إِذَا هَمَّهُ أَمْرٌ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ»، ففي هذا لجوء إلى الله سبحانه وتعالى وحسن توكل عليه، وطلب للتيسير منه سبحانه وتعالى، وهو ما يجب على المسلم فعله إذا داهمته الخطوب أو أهمته الأمور.
3- استغفر ربه وقال: «لا حول ولا قوة إلا بالله»:
روى البيهقي عن عليّ بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أُنْعِمَ عَلَيْهِ نِعْمَةٌ فَلْيَحْمَدِ الله وَمَنِ اسْتَبْطَأَ الرِّزْقَ فَلْيَسْتَغْفِرِ الله وَمَنْ حَزَبَهُ أَمْرٌ فَلْيَقُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِالله»، وفي الحث على قول لا حول ولا قوة إلا بالله في حال الهم، روى الحاكم في المستدرك، وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، كَانَ دَوَاءً مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ دَاءً أَيْسَرُهَا الْهَمُّ».
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاستغفار كسبيل إلى تيسير الأمور وتفريج الهموم، حيث روى أبو داود، وابن ماجه، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ».
4- ذَكَر ربه ثم دعاه:
روى البُخَارِي عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْعَظِيمُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْش الْعَظِيم، ثمَّ يَدْعُو».
وفي سنن الترمذي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ»، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن ييسر له الصعب، فهو الذي يملك ذلك، فقد روى ابن حبان في صحيحه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، كان يقول: «اللهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَاّ مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ سَهْلاً إِذَا شِئْتَ».