الكلام عن الوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة ليس نوعاً من الترف الفكريّ والتنظير غير الواقعيّ، لأنّ الوحدة أساس البناء، والعطاء والمقاومة والخلاص من المحتل!
ومنذ عشرينيات القرن الماضي، ومع ظهور بوادر الاحتلال الصهيونيّ للأراضي الفلسطينيّة كانت اللحمة الفلسطينيّة هي القوّة الأبرز القادرة على التصدّي للجماعات الإرهابيّة التي جُمِعَت من أقطار الأرض المختلفة لتدّعي بأنّها تملك وطنا يسمّى «إسرائيل»!
وحاولت العصابات الصهيونيّة في الداخل الفلسطينيّ والخارج، قلب الحقائق وتزوير التاريخ، وسعت بكلّ قدراتها الماليّة الضخمة ودبلوماسيّتها المنتشرة في عموم الأرض لنشر سياسة «فرق تسدّ» بين الفلسطينيّين والعرب من جهة، وبين الفلسطينيّين أنفسهم، وسحق كلّ من يسعى للوحدة الفلسطينيّة من جهة أخرى.
وحينما نقرأ التاريخ الأوّليّ للقضيّة الفلسطينيّة نجد أنّ «تلاحم الصهاينة ووحدتهم» كانت السبب الأبرز في نجاحهم بالتأسيس للكيان الصهيونيّ، وهذا النجاح تمثّل بداية بالوعد الذي قطعته بريطانيا لليهود بإقامة وطن قوميّ لهم في فلسطين، وكذلك بتلاحم اليهود الذين هاجروا لفلسطين!
وقد واصل الصهاينة جهودهم بجدّ ومثابرة، ودعموا موقفهم الدوليّ بإنشاء الوكالة اليهوديّة عام 1929م.
ومنذ أن أعلنت بريطانيا انتهاء انتدابها لفلسطين منتصف مايو 1948م استمرّت ومعها غالبيّة الدول الغربيّة، في تقديم كافّة أنواع الدعم العسكريّ والماليّ والمعنويّ والإعلاميّ والإستراتيجيّ لقيادات الاحتلال الصهيونيّ دون النظر لمرجعيّة الحزب الحاكم في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.
ويعتبر الرئيس الأمريكيّ فرانكلين روزفلت (ت 1945م)، أبرز الداعمين للدولة اليهوديّة، وقد عرض في مارس 1944م، على لجنة الشؤون الخارجيّة في الكونغرس الأمريكيّ، موضوع إقامة «الدولة اليهودية» في فلسطين؛ ما أثار الرأي العامّ العربيّ، وهكذا كانت مواقف الرئيس الأمريكي هاري ترومان (1972م)، الذي طلب من بريطانيا في العام 1945م أن تسمح لمائة ألف يهوديّ بالدخول إلى فلسطين فورًا!
وهكذا لم ينقطع دعم الغرب للصهاينة منذ عشرينيات القرن الماضي، وحتّى الساعة، وغالبيّة الشخصيّات والأحزاب الغربيّة تربط نجاحها بالانتخابات بالدعم والنصرة لـ«إسرائيل»!
واليوم، وبعد عدة عقود، تستمرّ الدول الغربيّة، وعلى رأسها الولايات المتّحدة، في تقديم الدعم الكامل للصهاينة للسيطرة على المنطقة، وضرب الأهداف التي تشمّ منها، مجرّد رائحة تهديد، وليس تهديداً حقيقيّاً!
الموقف الغربيّ المتلاحم يقابله، مع الأسف، بعض صور التّشتّت والتناحر الفلسطينيّ – الفلسطينيّ، وكأنّنا أمام شعوب متعدّدة، وليس شعباً واحداً تربطه الكثير من الروابط، ومن أبرزها: القوميّة، والدين، واللغة، والمصير المشترك وغيرها من عوامل التلاحم والتكاتف!
إنّ ملحمة غزّة المستمرّة منذ أكثر من 450 يوماً هي المثابة التي يفترض بجميع الشخصيّات والأحزاب والكيانات الفلسطينيّة ومن شتّى المنابع الفكريّة والعقائديّة أن تلتحم حولها!
وانطلاقاً من أهمّيّة حقن الدم الفلسطينيّ ورفض الاقتتال وصون الوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة في مواجهة العدوان ودفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطينيّ، دعا «المؤتمر الشعبيّ لفلسطينيّي الخارج»، في 27/ 12/ 2024م، الأحرار في العالم للتوقيع على عريضة وحدة الشعب الفلسطينيّ في مواجهة الإبادة والتواطؤ.
وهذا الموقف جدير بالاحترام والتقدير، ويفترض دعمه لبيان أهمّيّة الوحدة الفلسطينيّة في مواجهة المخطّطات الصهيونيّة المتجدّدة!
إنّ المواجهات التي تحصل بين بعض عناصر الأمن الفلسطينيّة والمقاومة في مدن الداخل حالة تنشر السعادة والزهو لدى الأعداء، وتزرع التعاسة والخيبة لدى كلّ من يحبّ فلسطين وأهلها!
القضيّة الفلسطينيّة الآن أمام مفترق طرق دقيق يَفْرُض على الأنقياء من الفلسطينيّين من الأفراد والمؤسّسات ترك صور الخلاف والتناحر، وتوحيد كلمتهم في وجه العدوّ الذي يحاول النيل منهم، وما غزّة إلا دليل قاطع على كراهية الكيان الصهيونيّ للفلسطينيّين دون تمييز بينهم!
لنتعلّم من أعدائنا التلاحم والتكاتف والتناصح!
_________________
dr_jasemj67@