مما لا شك فيه أن آباء الحركة الصهيونية قدموا أبحاثًا ودراسات كثيرة حول هذه الحركة التي ظهرت في الوسط الأوروبي بقصد الاستحواذ على فلسطين واعتبارها أرض الميعاد، ورغم أن غالبية هؤلاء الصهاينة كانوا علمانيين، فإنهم استغلوا الدين: التوراة والتلمود كنصوص تراثية لا غير، تُعد كبرنامج عمل يمكن من خلاله إقناع أتباعهم بتطبيق ما جاء فيهما بحذافيرها. فهناك مقاطع مهمة من تلمود اليهود لا تصلح إلا كمبادئ لعصابات عنصرية ولصوصية ودموية حاقدة وأشد سوءًا من كل تصوراتنا عن المافيا.
فالمافيا لا ترتكب الجرائم إلا عند الضرورة من أجل المصلحة. أما الوصايا التلمودية فتدعو لإبادة الشعوب من أجل الإبادة البحتة. إنها لا تشكل قواعد لدين سماوي أو غير سماوي وإنما هي استخفاف مميت بالديانة السمحة. بل هي إهانة لا تُغتفر لكل من له ذرة من إيمان.
ومن جانب آخر الضغط على القادة الأوروبيين لتسهيل عملية الهجرة اليهودية من أوروبا باتجاه فلسطين، رغم أن العديد من هؤلاء كانوا قد ارتكبوا مجازر في حق اليهود، لا سيما في المرحلة الأولى في روسيا وأوكرانيا.
فعلى سبيل المثال لا بد من الاستئناس بما قاله الأكاديمي الإسرائيلي “إسرائيل شاحاك” نقلًا عن عاموس إيلون في كتابـــه عــــن هرتزل بالعبرية عام ١٩٧٦م من أن “فون بليهفي von Plehve” ( 1846 – 1904م) وزير الداخلية في حكومة “نيقولا الثاني” ( 1894 – 1917م) آخر قياصرة روسيا، كان المسؤول عن ارتكاب مذبحة كيشينيف التي وقعت في 19 – 20 أبريل / نيسان عام 1903 وأدت إلى قتل حوالي 50 يهوديًا خلال الأيام الثلاثة من عام 1903م، وقتل 19 يهوديا فيما بعد في عام 1905م؛ فإذا بهرتزل يوجه بعد عدة أسابيع فقط من المذبحة الأولى رسالة إلى فون بليهفي يطلب فيها مقابلة قيصر روسيا، ويشير فيها إلى وعود بتهدئة النفوس الثائرة، وفي 8 أغسطس/ آب عام 1903، التقى (بليهفي) مع (ثيودورهرتز) في العاصمة الروسية سانت بطرسبرغ، وناقشا إنشاء الجمعيات الصهيونية في روسيا.
واقترح تقديم طلب من الحكومة الروسية إلى العثمانيين للحصول على ميثاق لإسكان اليهود في فلسطين، كما قدم مقترحًا للتحالف فيما بينهما، أي بين الحركة الصهيونية والحكومة الروسية يستند إلى رغبتهما المشتركة في التخلص من معظم اليهود في روسيا، على المدى القصير، مقابل أن يعمــــل هرتزل على تحويل الدعم اليهودي عن الحركات الاشتراكية اليسارية. ومن ذلك الكشف عن تآمر الحركة الصهيونية مع العناصر اليهودية المدسوسة على الحركات الاشتراكية اليسارية. (إسرائيل شاحاك، وطأة ثلاثة آلاف عام، ص١١٧).
كما عقد الصهيوني المتطرف جابوتنسكي (أب الإرهاب الصهيوني قبل تأسيس الكيان الصهيوني) ميثاقًا مع الزعيم الأوكراني بتليورا (Petlyura) الذي نفذ مذابح قتل فيها مائة ألف يهودي ما بين عامي ۱۹۱۸ – ۱۹۲۱م، من أجل هجرة اليهود المتبقين إلى فلسطين، ولم يتناطح فيها عنزان كما يقول المثل العربي.
والصهيوني الآخر بن غوريون (أول رئيس وزراء للكيان العبري) كان قد عقد حلفًا مع اليمين المتطرف الفرنسي إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر، كان بينهم معادون لليهود مشهورون حرصوا على إيضاح أنهم ضد اليهود في فرنسا، لا في إسرائيل. ، أي بعبارة أخرى أنهم مع هجرة اليهود الفرنسيين إلى فلسطين فقط. (إسرائيل شاحاك، وطأة 3000 عام، ص109).
ترى ألا يوجد ثمـــة خلفيات يمكن من خلالها ربط المذابح المذكورة بالاتفاقات مع ممثلي الصهيونية التي أعقبتها؟ وهل هي مجرد مصادفة أن انطلق هرتزل بالفعل بعد مذبحة اليهود الروسية بعد أقل من أربعــة شهور فقط ليتفق مع فون بليهفي لإخراج اليهود من روسيا؟ وهل هي مصادفة ثانية أن انطلــــق الزعيم الصهيوني جابوتنسكي إلى أوكرانيا ليعقد اتفاقات تصدير اليهود مع من ذبح مائــة ألــف يهودي؟
والتعليق الثالث ينال اليمين الفرنسي الذي كان يؤيد اليهود طالما هم بعيدون عن فرنسا.. هذا اليمين بذل المستطاع للتخلص من اليهود بعد تسمم العلاقة بين الطرفين على مبدأ: الله يسعدهم ويبعدهم! وما يحصل لهم خارج حدود فرنسا لا يهم الفرنسيين بأي شكل من الأشكال. (سامي عصاصة، هل التلمودية دين؟، ص79).
هذا وللإرهابي “إسحق شامير” (1915 – 2012م) أدوار مماثلة مع قادة النازية.. فما هي الصفة الحقيـقية لتلك الاتصالات سوى التفاوض على أرواح اليهود لصالح الصهيونية؟ وللدلالة على ذلك يمكن الاستناد على حادثة مميزة استقيناها من مذكراته حيث تحدث عن زميله “إلياهو جيلادي” الذي أراد الهروب معه من السجن البريطاني في فلسطين بسبب أعماله الإرهابية ضد المصالح والجنود البريطانيين، رغم دعمهم اللامحدود.
يقول شامير: “وتذكرت بعض المظاهرات اليهودية المعادية للبريطانيين في تل أبيب، وتفكير جيلادي بإلقاء قنبلة يدوية على المتظاهرين اليهود، حتى يأتي البوليس البريطاني وتنقلب المظاهرة إلى معركة؛ بذلك تزداد الكراهية للبريطانيين. كان تفكيره غريبا وغير منطقي، وقلت له إن الأبرياء سيقتلون. ولكنه رد عليَّ بأن ذلك هو المطلوب” (إسحاق شامير، مذكراته، ص48).
ويُذكِّر الإرهابي شامير بعد صفحة واحدة بمصير جيلادي بقوله: “استمر جيلادي بأفكاره المتطرفة… واقترح أن يتخلص من القيادة الصهيونية ويقتل بن غوريون حتى يخلو المسرح لهم… وكان عليَّ أن أتخذ قرارًا حاسمًا بشأنه. فقد أصبح ذلك الرجل يشكل خطرًا كبيرًا على الحركة، وتكلمت مع ثلاثة من زملائي بشأنه… جلسنا في الخلاء وراء الرمال خارج تل أبيب… ووافقوا على قراري بشأن جيلادي وانتهت الأزمة، حيث تخلصنا منه إلى الأبد. أي إنه تم إعدام إلياهو جيلادي بدون تحذير وبدون محاكمة في عام 1943م.
ألا يتوافر لدينا أمثلة لا تحصى من تآمر زعماء الصهيونية مع هتلر والنازيين لتسهيل عمليات الهولوكوست مقابل المال وبعض الرجال الذين تمكنوا من دفع الثمن، كما رأينا وسنرى في هذا الكتاب؟ وهل من الغريب أن يُقال إن الصهيونية وزعماءها الروحيين والدينيين هي التي أرادت هذه المذبحة المقدسة (الهولوكوست) من أجل تأسيس إسرائيل؟
إن الأعمال الإجرامية ضد الذات لكي تستفيد الذات، والأعمال ضد الغير ونسبها للذات لكي تستفيد الذات أيضًا، كانت ومازالت من وسائل السياسة المستخدمة من قبل الصهاينة، أي القتل من أجل القتل؟
ونظرا لكون إسحاق شامير عضوا في قيادة منظمة ليحاي فإنه كان مسؤولا عن عمليات مختلفة كان أبرزها قتل “والتر جينيس بارون موين الأول” (1880 – 1944م)، ووزير المستعمرات البريطاني والوزير المقيم بالشرق الأوسط والقاهرة، وكان يتصف بالصدق والميل إلى الحق، وكان له موقف أقرب للموقف المعادي للصهيونية، ففي 6 تشرين الثاني وقف مع سائقه أمام منزله في القاهرة، وأطلق عليه النار من قبل شخصين ينتميان للمنظمة الإرهابية ليحاي (المحاربون من أجل حرية إسرائيل) أو (عصابة شتيرن)، حسب التسمية البريطانية، وكان يتزعمها إسحق شامير، وكان أحد قادة العصابة الثلاثة الذين أصدروا أمر الاغتيال.
وتضيف الباحثة البريطانية “أرتيميس كوبر” أن تشرشل أصيب بحزن كبير حين تلقى الخبر، وغضب إلى درجة أنه لم يجرؤ أحد لأسابيع أن يفتح أمامه موضوع فلسطين، وفى مجلس العموم دوَّى صوته قائلا: “إذا ما كان لأحلامنا من أجل الصهيونية أن تنتهي وسط دخان ينبعث من فوهة مسدس يصوبه قاتل، وإذا ما كانت جهودنا الحثيثة من أجل مستقبلها ستفضي إلى طغمة جديدة من العصابات التي لا تليق إلا بألمانيا النازية، فحينئذ سوف يتعين على الكثيرين من أمثالي أن يعيدوا النظر في الموقف، الذي ما برحوا يتمسكون به بكل إصرار في الحاضر وفي الماضي” (القاهرة في الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945، ترجمة: محمد الخولي، ص396).
وكان إسحاق شامير قد سجن عدة مرات بتهمة محاولة قتل المندوب السامي البريطاني في مصر “اللورد مكمايكل” وكان يفر من سجنه سواء في فلسطين أو في إرتيريا بقدرة قادر؟ والذي أصبح فيما بعد رئيسا للحكومة الإسرائيلية في عقد الثمانينات من القرن العشرين.
وفي السابع عشر من أيلول 1948م ظهر اسم شامير كمتهم مدان أيضًا مع زميله الإرهابي الآخر “مناحيم بيغن” في مقتل الحاكم السويدي “الكونت برنادوت” وسيط مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. عندما قدم الكونت اقتراحات لهيئة الأمم لحل الإشكالات بين اليهود والفلسطينيين، ولم ترُقْ تلك الاقتراحات لليهود، فتعاونت الإرغون مع كل من منظمتي شتيرن والهاغاناه على اغتيال الكونت.
وقد اعتقد الكثيرون أن شامير متورط في قتل برنادوت. وعلى الرغم من صدور أمر باعتقال شامير فإنه لم يعتقل ولم تتهمه المحكمة بهذه الجريمة، على عكس عدد كبير من أعضاء منظمة ليحاي الذين اعتقلوا على خلفية هذه الجريمة. وفي استجوابه حول تورطه في مقتل الحاكم السويدي اكتفى شامير بالإشادة بمن اتخذ قرار تنفيذ مثل هذه العملية، كما أكد عدم معارضته لهذه العملية.
أما الإرهابي الآخر” مناحيم بيغن” (1913 – 1992م) فهو بولندي الأصل، انضم إلى منظمة بيتار الإرهابية، حيث اعتقلته السلطات السوفييتية عام 1940م ثم أطلقت سراحه. وعند وصوله إلى فلسطين تولى قيادة فرع منظمة بيتار هناك. وفي أواخر عام 1943م تولى قيادة منظمة الارغون التي اشتهرت بمذابحها ضد المدنيين الفلسطينيين، وتميزت عملياتها بالسعي المتعمد لإرهاب العرب وإخراجهم قسرا من فلسطين، أما عملياتها ضد البريطانيين فكانت محدودة..
وسبق للبريطانيين أن اتهموا “بيغن” بالإرهاب عندما قامت منظمة الإرغون بزعامته بنسف مقر قيادة القوات البريطانية في فندق الملك داود في القدس في 22 تموز عام1946م. كما أنها كانت مشتركة باغتيال وسيط الأمم المتحدة، “الكونت برنادوت”. أما مشاركته الوقحة في مجزرة دير ياسين فيعرفها القاصي والداني؛ لذلك عندما زار إنجلترا في شهر كانون الثاني عام 1972م أدانته الدوائر الإعلامية فيها نظرًا لدوره الإرهابي في مجزرة دير ياسين، ومع ذلك فعندما فاز حزبه بالانتخابات في عام 1977م استقبلته كل الدول، وهذا يدل على أن القوى الغربية تكيل بمكيالين.
والغريب أن هذا الإرهابي فاز بجائزة نوبل للسلام مناصفةً مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، عقب توقيع اتفاقيات كامب ديفيد.
أما الإرهابي الاخر” آرئيل شارون” (1928 – 1914م) الذي تولى مناصب عديدة في الكيان العبري من وزارة الدفاع إلى رئاسة الوزراء فقد قام بأعمال إرهابية، حيث قام بمجزرة بشعة في اللد عام 1948م وحصد خلالها أرواح (426) فلسطينيا بعد أن اعتقلهم داخل المساجد. كما أنه أنشأ وحدة خاصة عام 1952م أطلق عليها (الوحدة101)، وقد اختار شارون أفراد الوحدة (شياطينها) كما كانوا يدعون من مجرمين وأصحاب سوابق ولصوص وقتلة.
ومن أبرز جرائم هذه الوحدة هو أنهم أجهزوا على قرية قبية الفلسطينية التي تقع شمال القدس عام 1953م، ثم طوقت قواته القرية وغمرتها بوابل من نيران المدفعية فدُكت دكًا على من فيها، ثم تقدم المشاة وأجهزوا على الباقين على قيد الحياة، والتي راح ضحيّتها (170) من المدنيين الأردنيين. وسبق له أن قام بقتل وتعذيب الأسرى المصريين في عام 1967م.
كما يجب ألّا ننسى أن سفاح قبية هو نفسه سفاح مجازر صبرا وشاتيلا؛ لذا فلا عجب أنه استقال من منصبه كوزير للدفاع بعد تقرير لجنة تحقيق رسمية حملته المسؤولية عن مذبحة صبرا وشاتيلا. وقد جاء به الإسرائيليون عام 2000م ليقمع انتفاضة الأقصى بالحديد والنار، ولكن سرعان ما ظهر عجزه أمام الانتفاضة، وفشلت خطة المائة يوم التي ادعى أنه سيتمكن من وقف الانتفاضة خلالها.
أما الإرهابي “بنيامين نتنياهو” (1949 – ؟) فحدث عن أعماله الإرهابية قبل عملية طوفان الأقصى ولا حرج، وأما مذابحه الوحشية وحرب الإبادة ضد البشر والحجر في قطاع غزة والضفة الغربية التي لم تر البشرية مثيلًا لها أمام أنظار العالم، فقد قادت بعض البشر أصحاب النخوة البشرية والحلم الإنساني إلى تبني مقترحات لإدانته كمجرم حرب، وإدانة كيانه الغاصب، وهذا ما حدث بعد تلكؤ وضغط أميركي وأوروبي شديد، ولكن في الأخير تمكنت العدالة من إحقاق الحق، حيث تم إدانته مع وزير دفاعه (غالانت) كمجرمي حرب أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وأصدرت مذكرة توقيف بحقهما في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2024م، وهذا يعيدنا إلى استذكار كل الجرائم والمذابح وحملات الإبادة التي ارتكبها الزعماء الصهاينة خلال الثمانين السنة الماضية، والذين كوفئوا عليها من قبل الصهاينة بتولي هؤلاء المجرمين منصب رئيس وزراء الكيان الصهيوني، ابتداءً من: بن غوريون، ومرورا بمناحيم بيغن، وإسحق شامير، وأرئيل شارون، وانتهاءً بالسفاح بنيامين نتنياهو، وبأنهم مجرمو حرب أمام العدالة الالهية التي تنتظرهم قبل العدالة الدولية، وأن هذه الجرائم والمذابح لا تسقط بالتقادم. ورغم وقف إطلاق النار الأخير فإن الإرهابي نتنياهو قتل بواسطة مجرميه أكثر
من 100 فلسطيني في غزة، دون خوفٍ أو وجل، وهذا أبلغ دليل على أنهم لا يألون في مؤمنٍ إلًا ولا ذِمةَ. والله المستعان.