كاتب المدونة: د. محمد وثيق الندوي
فقدت الأمة الإسلامية فارسًا من فرسانها في مجال الصحافة والكتابة، ونجمًا من نجومها الساطعة في سماء العلم والدعوة والأدب والفكر الإسلامي، الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي الأمين العام لندوة العلماء ورئيس تحرير صحيفة “الرائد” والنائب الأول لرئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ورئيس مكتبها في شبه القارة الهندية، وذلك مساء يوم الأربعاء 14/7/1446هـ الموافق 15 يناير 2025م في حادث مروري في مدينة راي بريلي، بعد ما قضى حياة حافلة بالعطاء والإنتاج، إنا لله وإنا إليه راجعون، وكان من مواليد 1960م.
فَقَدَتْه الأمةُ الإسلاميةُ بعامة وأسرةُ ندوة العلماء بخاصة، في الوقت الذي كانت في أشد حاجة إليه، لأنه كان كاتبًا إسلاميًا قديرًا يقوم بالتوجيه والترشيد في مختلف مجالات الحياة، فكان رجلاً مثاليًا، أبًا مثاليًا، ومعلمًا مثاليًا، ومربيًا مثاليًا، وكاتبًا مثاليًا، وإداريًا مثاليًا، وصديقًا مثاليًا، وزميلاً مثاليًا، ومثاليًا في التعامل مع الناس، ومثاليًا في السلوك مع من تحت أمره، ومثاليًا في احترام الكبار، وملاطفة الصغار، ومثاليًا في تبادل الآراء، ومثاليًا في البساطة والتواضع، ومثاليًا في الابتعاد عن أصحاب المناصب والثروات، ومثاليًا في الاستيحاش من الدنيا وزخرفها، ويشهد بذلك كل من شاهده، أو جربه، أو قضي ساعة معه.
عرفتُه عن قرب واتصال وثيق بيني وبينه منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، فعرفتُ فيه الأخ المؤثر لإخوانه، والمسلم الصادق في إسلامه، والإنسان الكريم في إنسانيته، والمعلم الشفوق لتلاميذه، والناصح الأمين في نصيحته، عرفتُه رجلا سليم الصدر، لا يحقد على أحد، ولا يضمر لأحد غلاُّ، ولا شرًّا، عرفتُه رجل مبادئ وقيم، وليس رجل مكاسب ومصالح، وقد أعطاه الله تعالى الدين والأخلاق، وهما أفضل ما يعطى الإنسان، فقد جَعَلَتْه هذه الخلال الحميدة شارة بين معاصريه، ومحبوبًا لدى الناس.
وكان ذا فكر سليم، ومنهج إسلامي سليم، وقلم سيال، لا يتكلف ولا يتصنع، وكان رصد قلمه لهموم الإسلام والمسلمين، رأيناه في افتتاحياته في الرائد وكتاباته الأخرى التي يواكب بها آلام الأمة وآهاتها وآمالها، وطموحاتها، ولا سيما قضايا المسلمين المصيرية، فقد خصص لها جانبًا من كتاباته، وكان مهتمًا غاية الاهتمام بتربية الشباب الواعد والجيل الصاعد، كما رأيناه في كتابه:” أخي العزيز”، وكان دائم الفكرة في عرض الإسلام عمليًا.
فيا أخي الكبير الحبيب لقد فاجأتنا بالرحيل، وفجعتنا بالفراق على غير توقُّع، فعزاؤنا أن الموت أمر مقدر، وأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، وأن الموت عند المؤمنين ليس عدمًا محضًا، ولا فناء صرفًا، بل هو فناء للجسد، وانطلاق للروح من قفصه، لتحيا في دار أخرى، كما قال الشاعر: وما الموت إلا رحلة غير أنها من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي.
وعزاؤنا أنك حيٌّ في قلوبنا التي تحبك، وفي ألستنا التي بالخير تذكرك، حيٌّ بمساعيك المشكورة، وبسيرتك الطيبة، وأعمالك المحمودة، وبذكرك الجميل الذي يعطر المجالس، وهذا هو الذي يمنح الإنسان عمرًا بعد عمره، وحياة ممتدة بعد حياته القصيرة.
أخانا الحبيب المفارق إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا جعفر لمحزنون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وأعبِّرُ عما يختلج في قلبي من اللوعة والأسى والحزن والألم، بأبيات للخنساء في أخيها صخر بتغيير يسير:
ألا يا جعفر إن أبكيت عيني
فقد أضحكتني زمنًا طويلا
دفعت بك الخطوب وأنت حيٌّ
فمن ذا يدفع الخطب الجليلا
إذا قبح البكاء على قتيل
رأيت بكاءك الحسن الجميلا
(أكتفي بهذه العجالة وسأكتب عنه في الأعداد القادمة لصحيفة الرائد بإذن الله تعالى)