فقدت الأمة الإسلامية أحد أعلامها البارزين الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي، الناظر العام لدار العلوم التابعة لندوة العلماء، رئيس تحرير مجلة «الرائد»، الذي وافته المنية في حادث مأساوي، في 15 يناير 2025م،
ترك الشيخ الندوي بصمة لا تُنسى في مجالات العلم والدعوة والأدب الإسلامي، وكان فقدانه خسارة كبيرة للمجتمع الإسلامي عامة، وندوة العلماء خاصة.
وُلد الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي، في 13 سبتمبر 1960م، في أسرة علمية ودينية عريقة، وترعرع في بيئة تقدر العلم والمعرفة؛ ما ساعده على شحذ شغفه بالتعلم منذ صغره، وتلقى تعليمه الأوَّلي في بيته، حيث نهل من معين العلم الإسلامي على أيدي والده وعلماء أسرته.
شغل، رحمه الله، منصب ناظر عام دار العلوم ندوة العلماء بعد وفاة الداعية الشيخ محمد رابع الحسني الندوي، وأدى دورًا بارزًا في تطوير وتعزيز المؤسسة، وواصل بثبات تقاليد والده مولانا سيد محمد واضح رشيد ندوي، رحمه الله، في المجال العلمي والأدبي، وأخذ الصحافة الإسلامية والأدب إلى آفاق جديدة.
كاتب «براعم الإيمان»
كان يتمتع بقدرة فائقة على الكتابة والخطابة باللغتين العربية والأردية، وكانت إدارته لمجلة «الرائد» العربية تمثل مرجعًا مهماً للفكر والأدب الإسلامي، وترك الشيخ وراءه إرثًا غنيًا من المقالات والكتابات التي تعكس عمق فكره وخدمته المخلصة للأمة الإسلامية.
نموذج التواضع والتفاني
كان الشيخ الندوي مثالًا للتواضع والبساطة، ودائمًا يتعامل مع الناس بحب وأخلاق رفيعة، وكل من التقى به تأثر بشخصيته وأخلاقه العالية، حيث جسدت شخصيته الخصال التي اشتهرت بها أسرته المباركة.
حادث الوفاة
توفي الشيخ إثر حادث مأساوي عندما صدمته سيارة كان يقودها سائق تحت تأثير المخدرات، هذا الحادث كان صدمة كبيرة للأمة الإسلامية، وأدى إلى موجة من الحزن والأسى في الأوساط العلمية والدينية.
مؤلفاته
قام الشيخ بترجمة العديد من الكتب المهمة إلى العربية، بما في ذلك السيرة الذاتية للعلَّامة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي «كاروانِ زندگی» التي ترجمها إلى العربية بعنوان «في مسيرة الحياة»، وكتاب محمد الحسني «الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي: حياته ومنهجه في الدعوة»، والسيرة الذاتية للشيخ محمد زكريا الكاندهلوي التي ترجمها إلى «الإمام المحدث محمد زكريا الكاندهلوي ومآثره العلمية».
وتم نشر كتابه حالياً باسم «أخي العزيز»، وهو مجموعة مقالات كان يكتبها تحت عنوان «براعم الإيمان» في مجلة «الرائد»، وكانت مقالاته مرجع الطلاب الناشئين فيتهافتون عليها في كل إصداراته.
تعازي العلماء
توالت التعازي من مختلف أنحاء العالم، حيث عبّر العلماء والمفكرون عن حزنهم لفقدان هذا العالم الجليل، وأشادوا بمساهماته العلمية والأدبية وبشخصيته الفذة التي جمعت بين العلم والعمل، وأشاروا إلى أن فقدانه يُعد خسارة كبيرة للأمة الإسلامية، وأكدوا أن إرثه العلمي سيبقى خالداً.
فقد عبّر الشيخ عليّ القرة داغي عن حزنه العميق لوفاة الشيخ الندوي، مشيدًا بشخصيته العلمية والدينية البارزة، وأكد أن خدماته ستبقى خالدة في ذاكرة الأمة، داعيًا الله أن يتغمده بواسع رحمته.
ووصف الشيخ عامر الرشادي المدني، بأنها خسارة كبيرة لندوة العلماء، وأشاد بتواضعه وبساطته وتفانيه في خدمة الخلق، معتبرًا إياه نموذجًا يُحتذى به.
وقدّم الشيخ محمد رضا الإسلام الندوي كلمات التعازي تأثّرًا عميقًا بفقدانه، حيث ذكر الشيخ كيف كانت علاقته الأخوية والصداقة بينهما، وأشار إلى أن الندوي كان من الشخصيات التي تجمع بين العلم والعمل، وكان يشارك في أنشطة مختلفة، مثل الكتابة والترجمة والخطابة، وكان له تأثير كبير في الدعوة والإصلاح، وفقدانه يمثل خسارة كبيرة للمجتمع الإسلامي في الهند.
وذكر د. محمد وثيق الندوي، في كلمات التعازي، أن الشيخ كان ذا فكر قويم، ومنهج إسلامي سليم، وقلم سيال، لا يتكلف ولا يتصنع، وكان رصد قلمه لهموم الإسلام والمسلمين، رأيناه في افتتاحياته في «الرائد» وكتاباته الأخرى التي يواكب بها آلام الأمة وآهاتها وآمالها، وطموحاتها، ولا سيما قضايا المسلمين المصيرية، فقد خصص لها جانبًا من كتاباته، وكان مهتمًا غاية الاهتمام بتربية الشباب الواعد والجيل الصاعد، كما رأيناه في كتابه «أخي العزيز»، وكان دائم الفكرة في عرض الإسلام عمليًا.
ويصف مبين أحمد الأعظمي الندوي، أستاذ معهد دار العلوم التابعة لندوة العلماء، بأن الشيخ كان لين الجانب، حسن المحاضرة، ورقيق القلب، وقد أجمع بين العلم والأدب، والفكر والعمل، والقلم واللسان، ومع أن مدة توليه نيابة الأمانة العامة لندوة العلماء قصيرة، فإنه أدى مسؤوليته خير الأداء وبشكل نموذجي.
إن وفاة الشيخ جعفر الندوي رحمه الله تركت فراغًا يصعب ملؤه، وستظل خدماته وتضحياته نبراسًا للأجيال القادمة، ونرجو من الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم الأمة الإسلامية الصبر والسلوان، ويمنحها خلفًا صالحًا يسير على نهجه.